السؤال
مشايخنا الكرام حفظكم الله، وحفظ المسلمين جميعا من كل سوء.
أتذكر قديما أني عثرت على محفظة "حافظة نقود" لشخص، وجدتها ملقاة في الشارع.
وكانت فيها بطاقة صاحبها، وكان من بلد بعيد نسبيا.
المهم أن الشيطان وسوس لي، فأخذت النقود التي كانت فيها" تقريبا في حدود 50 عملة" ثم مزقت البطاقة.
وأريد الآن أن أكفر عن ذنبي إن شاء الله.
فهل يمكن التصدق بالمبلغ إذ إن من المستحيل معرفة الشخص الآن، مع العلم أن صاحب البطاقة أتذكر أنه كان مسيحيا "نصرانيا" وأنا لا أعرف اسمه؟
أي هل يجوز رد مظالم غير المسلمين عن طريق التصدق لحسابهم.
وهل هذا يعود عليه بالنفع، إذ إنه غير مسلم؟
وإن كان لا يعود عليه بالنفع، فكيف أحقق له نفعا يساوي ما فقده حتى يعفو عني يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟
جزاكم الله خيرا، وعافاكم.
وشكرا مقدماً.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالكافر ينتفع بأعماله الحسنة في الدنيا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يُعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 125882.
ولذلك فلا يبعد أن يقال: إن كان من المستحيل أن تعثر على هذا الرجل النصراني، أو أحد من ورثته إن كان قد مات، فتصدق بهذا المبلغ عنه، ولو كان كافرا؛ لأن ذلك ينفع في الدنيا، بل قد ينفع في الآخرة بتخفيف العذاب عن صاحبه.
فقد سئل الشيخ ابن باز عن رجل في ذمته مبلغ خمسون ديناراً، لرجل مسيحي متوفى، لمن يدفع هذا المبلغ؟
فقال ـ رحمه الله ـ : عليه أن يدفعه للورثة إذا كان له ورثة، إذا كان يعرف ورثته عليه أن يدفع ذلك إليهم، وعليه أن يسأل عنهم، فإن لم يجد، ولم يعرف له ورثة، فإنه يتصدق به عنه؛ لأنه ينفع، يعطيه بعض الفقراء بالنية عن صاحب المال، لعلَّ الله يخفف عنه بذلك شيئاً من عذابه. المقصود أنه يتصدق به عن ذلك الميت الذي هو صاحب الحق، والله جل وعلا لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وإن كان كافراً قد يخفف عنه لذلك. اهـ.
وهذا لا يتعارض من كل وجه مع إهدار عمل الكافر الذي دل عليه قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23].
قال ابن حجر في (فتح الباري): قال البيهقي: ما ورد من بطلان الخير للكفار، فمعناه أنهم لا يكون لهم التخلص من النار، ولا دخول الجنة، ويجوز أن يخفف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر، بما عملوه من الخيرات.
وأما عياض فقال: انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم، ولا يثابون عليها بنعيم، ولا تخفيف عذاب، وإن كان بعضهم أشد عذابا من بعض. قلت: وهذا لا يرد الاحتمال الذي ذكره البيهقي، فإن جميع ما ورد من ذلك فيما يتعلق بذنب الكفر، وأما ذنب غير الكفر فما المانع من تخفيفه.
وقال القرطبي: هذا التخفيف خاص بهذا، وبمن ورد النص فيه.
وقال ابن المنير في الحاشية: هنا قضيتان، إحداهما محال، وهي اعتبار طاعة الكافر مع كفره؛ لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح، وهذا مفقود من الكافر.
الثانية إثابة الكافر على بعض الأعمال تفضلا من الله تعالى، وهذا لا يحيله العقل، فإذا تقرر ذلك، لم يكن عتق أبي لهب لثويبة، قربة معتبرة، ويجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء، كما تفضل على أبي طالب، والمتبع في ذلك التوقيف نفيا وإثباتا. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 258511، 266920، 97165.
والله أعلم.