السؤال
أصدقائي فيهم صفة السخرية، وأنا أيضا لدي هذه الصفة، ولكنهم زادوا في الأذى لي، وقد ضعفت على مواجهتهم وزاد الألم عليّ، وأريد أن أتركهم، ولكن يمنعني أني أظن أني لو تركتهم فإني سأقع مع أصدقاء فيهم نفس الصفة! لأني أيضا مبتلى بها (لأن الطيور على أشكالها تقع) فما رأيكم في ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسخرية من الناس حرام؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه مسلم.
فأول ما ننصحك به: أن تنتهي عما نهى الله عنه ورسوله من السخرية بالآخرين، ونوصيك بالصبر على أذى أصدقائك، ونصحهم إن استطعت، فإن لم تستطع أو لم يستجيبوا لك فابتعد عن مجالستهم واهجرهم هجرًا جميلًا؛ قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في الاستذكار: مَنْ خُشِيَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ وَمُكَالَمَتِهِ الضَّرَرُ فِي الدِّينِ أَوْ فِي الدُّنْيَا، وَالزِّيَادَةُ فِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، فَهِجْرَانُهُ وَالْبُعْدُ عَنْهُ خَيْرٌ مِنْ قُرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ عَلَيْكَ زَلَّاتِكَ، وَيُمَارِيكَ فِي صَوَابِكَ، وَلَا تَسْلَمُ مِنْ سُوءِ عَاقِبَةِ خُلْطَتِهِ، وَرُبَّ صَرْمٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ من مخالطة مؤذية. انتهى.
وفي معنى الهجر الجميل يقول ابن عاشور ـ رحمه الله ـ في تفسيره: فالهجر الجميل هو الذي يقتصر صاحبه على حقيقة الهجر، وهو ترك المخالطة، فلا يقرنها بجفاء آخر أو أذى. انتهى.
واحرص على مجالسة ومصاحبة الأخيار ممن ليس لهم هذا الخلق الذميم، واحرص على حضور مجالس العلم، وسماع الندوات الخيّرة؛ قال صلى الله عليه وسلم: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في مَنْ عنده. رواه مسلم، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد.
والله أعلم.