السؤال
قال الله في كتابه الكريم: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).
ما هي حدود وضوابط الشكوى إلى الله سبحانه وتعالى؟ فَلَو مثلا اشتكيت إلى ربي قلت: يا رب أنت رزقت كل من حولي فلا تحرمني وأنا تعبت من هذا الشيء وإني مهمومة، وما إلى ذلك، هل يعتبر هذا من السخط بقضاء الله؟
وهل البكاء بشده عند الدعاء لشيء من أمور الدنيا كالذرية يعتبر سخطا أو جزعا؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشكوى إلى الله والتضرع له وسؤاله إزالة ما أصاب العبد من حزن وضر مشروعة، ويدل لهذا ما حكى الله عن يعقوب عليه السلام أنه قال: قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ {يوسف:86}، وقال تعالى في شأن خوله بنت ثعلبة ـ رضي الله عنها ـ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ {المجادلة:1}، وأخبر عن أيوب عليه الصلاة والسلام أنه قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {الأنبياء:83}، ويمنع التشكي الذي يدل على التضجر من قضاء الله وتسخط القدر، فعدم الرضى بالقدر حرام، وأما الدعاء بإزالة الضرر فلا حرج فيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم {اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي اللهم إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي سخطك أو يحل علي غضبك لك العتبى حتى ترضى} . وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يقرأ في صلاة الفجر: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله} ويبكي حتى يسمع نشيجه من آخر الصفوف؛ بخلاف الشكوى إلى المخلوق. انتهى.
وأما قولك في دعائك: (يا رب أنت رزقت كل من حولي فلا تحرمني وأنا تعبت من هذا الشيء وإني مهمومة) فجائز إذا لم يكن على جهة الاعتراض على القدر، أو على جهة تسخط القلب على ربه عز وجل، بأن يشعر كأن الله قد ظلمه بهذه المصيبة.
وأما شدة البكاء أثناء الدعاء بسبب طلب شيء من الأمور الدنيوية فلا يعتبر من السخط والجزع ما دام القلب موقنا بأن قدر الله كله حكمة ورحمة، وأن الله أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، فهو سبحانه أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، وأعلم بمصالحنا من أنفسنا، ولكن العبد يستعجل كما قال ابن القيم ـ رحمه الله: وَالْعَبْد لجهله بمصالح نَفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه لَا يعرف التَّفَاوُت بَين مَا منع مِنْهُ وَبَين مَا ذخر لَهُ، بل هُوَ مولع بحب العاجل وَإِن كَانَ دنيئا، وبقلة الرَّغْبَة فِي الآجل وَإِن كَانَ عليا، وَلَو أنصف العَبْد ربه وأنى لَهُ بذلك لعلم أَن فَضله عَلَيْهِ فِيمَا مَنعه من الدُّنْيَا ولذاتها وَنَعِيمهَا أعظم من فَضله عَلَيْهِ فِيمَا آتَاهُ من ذَلِك، فَمَا مَنعه إِلَّا ليعطيه، وَلَا ابتلاه إِلَّا ليعافيه، وَلَا امتحنه إِلَّا ليصافيه، وَلَا أَمَاتَهُ إِلَّا ليحييه، وَلَا أخرجه إِلَى هَذِه الدَّار إِلَّا ليتأهب مِنْهَا للقدوم عَلَيْهِ، وليسلك الطَّرِيق الموصلة إِلَيْهِ، فَجعل اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شكُورًا، وأبى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً وَالله الْمُسْتَعَان. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى: 244081.
والله أعلم.