الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشروعية تحدث المظلوم بما وقع عليه من ظلم وترك مصاحبة من يتأذى منه

السؤال

أريد أن أفهم أكثر عن كظم الغيط والشكوى بمثال، الله يرضى عليكم؟
إذا أحد ضايقني ضيقا شديدا وحاولت قدر الإمكان ألا أذم فيه ولكني شكوت إلى زوجي "لأننا نشترك في تاكسي لتوصيل الأطفال وأريد أن ننفصل عنهم" أني متضايقة جدا من فلانة، وأني لا أرغب في صحبتها، وليس لها عندي إلا حق الجيرة؛ لأني لا أرغب في وجود أحد يدفعني إلى سوء الظن والتوتر والغضب.
هل أنا هذا صحيح؟ وأيضا أنا تمنيت لو فعلت شيئا في سري وأعرضت عن فعله، وحققه الله لي بخصوص هذا الموضوع، وزال عني ضيقي، فهل يعني هذا أن الله رضي بما فعلته، وأني لم أغضبه في هذا الأمر؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كانت جارتك قد ظلمتك، فلا بأس عليك أن تصرحي لزوجك بظلمها لك، وانظري الفتوى رقم: 190809.

ولا بأس بأن تطلبي من زوجك ألا تصحبيها.

وإذا كان الهجر المنهي عنه يجوز مع الأذى، فأولى أن يكون ترك المصاحبة مع عدم الهجر ممن يُتأذى منه جائزًا، قال ابن عبد البر في التمهيد: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يخاف من مكالمته، وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان كذلك رخص له في مجانبته، وربِّ صرم جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.

ولكن ننبهك إلى أنه لا يجوز اتهامها، ولا سوء الظن بها، فسوء الظن منهي عنه، كما بينا بالفتويين التالية أرقامهما: 241711، 235426.

ولا ينبغي لمن يحب الخير أن يقصر في حق الجار، بل المشروع تحمل أذاه ابتغاء مرضاة الله، وانظري الفتوى رقم: 167299.

وأما كظم الغيظ؛ فقال ابن قتيبة في معاني القرآن: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ: الصابرين، وأصل الكظم والصبر: حبس الغيظ. انتهى.

وقال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ قال الزجاج: يقال: كظمت الغيظ: إذا أمسكت على ما في نفسك منه، وكظم البعير على جرَّته: إذا رددها في حلقه، وقال ابن الأنباري: الأصل في الكظم: الإمساك على غيظ وغم. انتهى.

فكونك لم تحاسبيها، أو تشتدي عليها، هو من كظم الغيظ، وأما الشكوى فإنما تذم إذا لم يكن فيها غرض صحيح، فكونك تشتكين لرفع ظلم، أو اتقاء مشكلة، لا يدخل في ذلك، وانظري الفتوى رقم: 273613.

وأما تحقيق مراد العبد فقد يكون من علامة الرضا، وقد يكون استدراجاً، فالبلاء يكون بالخير والشر، وقد يكون للخير، ورفع الدرجات، وقد يكون عقوبة، قال تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ {الفجر:15-16} .

أي ما كل من وسعت عليه أكرمته ولا كل من قدرت عليه أكون قد أهنته، فلا تغتري بذلك، ولكن، نرجو أن يكون خيراً لا محنة، قال ابن القيم في مدارج السالكين: فكل علم صحبه عمل يرضي الله سبحانه فهو منة، وإلا فهو حجة، وكل قوة ظاهرة وباطنة صحبها تنفيذ لمرضاته وأوامره فهي منة، وإلا فهي حجة، وكل حال صحبه تأثير في نصرة دينه، والدعوة إليه فهو منة منه، وإلا فهو حجة، وكل مال اقترن به إنفاق في سبيل الله وطاعته، لا لطلب الجزاء ولا الشكور، فهو منة من الله عليه، وإلا فهو حجة، وكل فراغ اقترن به اشتغال بما يريد الرب من عبده فهو منة عليه، وإلا فهو حجة، وكل قبول في الناس، وتعظيم ومحبة له، اتصل به خضوع للرب، وذل وانكسار، ومعرفة بعيب النفس والعمل، وبذل النصيحة للخلق فهو منة، وإلا فهو حجة، وكل بصيرة وموعظة، وتذكير وتعريف من تعريفات الحق سبحانه إلى العبد، اتصل به عبرة ومزيد في العقل، ومعرفة في الإيمان فهي منة، وإلا فهي حجة، وكل حال مع الله تعالى، أو مقام اتصل به السير إلى الله، وإيثار مراده على مراد العبد، فهو منة من الله، وإن صحبه الوقوف عنده والرضى به، وإيثار مقتضاه، من لذة النفس به وطمأنينتها إليها، وركونها إليه، فهو حجة من الله عليه، فليتأمل العبد هذا الموضع العظيم الخطر، ويميز بين مواقع المنن والمحن، والحجج والنعم، فما أكثر ما يلتبس ذلك على خواص الناس وأرباب السلوك، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. انتهى.

وانظري للفائدة الفتوى رقم: 16233.
الله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني