السؤال
جاءتني فكرة في رأسي، أن كلمة "مصيطر" في القرآن، ربما تكون خطأ من الكاتب الذي كتب القرآن، مع يقيني التام جداً أن الله لا يُخطئ أبداً وإنما من الممكن أن يكون الكاتب قد أخطأ في كتابتها بالشكل الصحيح، فالكاتب بشر معرض للخطأ.
فهل كفرت بذلك؟
جاءتني فكرة في رأسي، أن كلمة "مصيطر" في القرآن، ربما تكون خطأ من الكاتب الذي كتب القرآن، مع يقيني التام جداً أن الله لا يُخطئ أبداً وإنما من الممكن أن يكون الكاتب قد أخطأ في كتابتها بالشكل الصحيح، فالكاتب بشر معرض للخطأ.
فهل كفرت بذلك؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه قد تعددت منك الأسئلة المتعلقة بالوسوسة في أمور الكفر، فننصحك بالإعراض عن الاسترسال مع الشيطان في هذه الوساوس، ثم إنه إن كان ما حصل منك مجرد خاطرة، وحديث نفس لم تتكلم به، فلا مؤاخذة عليك فيها، ولا يحصل بها الكفر؛ لأن مجرد الخواطر، وأحاديث النفس دون قول، أو فعل لا اعتبار لها؛ لحديث: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل، أو تتكلم. متفق عليه.
قال الكرماني: في الحديث أن الوجود الذهني لا أثر له، وإنما الاعتبار بالوجود القولي في القوليات، والعملي في العمليات. اهـ.
ولكنا ننبه إلى أنه لا يجوز اتهام كتاب المصحف بالخطأ في كتابته؛ فإن كتابة المصحف الشريف كانت بطريقة تجمع وجوه القراءات المختلفة التي نزل بها القرآن. كما قال الزرقاني في مناهل العرفان.
وقد اتفق الصحابة الكرام على صحة ما كتب في المصاحف العثمانية، في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وقد تابعهم علماء الأمة قديما، وحديثا في ذلك.
وقد نقل الداني الاتفاق على كتابة مصيطر في المصحف بالصاد. فقال في المقنع في رسم مصاحف الأمصار: حدثنا أبو عبيد أن مصاحف أهل الأمصار اجتمعت على رسم "الصراط" و "صراط" بالصاد. قال أبو عمرو: وكذلك رسموا "المصيطرون" و "بمصيطر " اهـ.
ومن المعلوم أن الإجماع، وما سنه الخلفاء الراشدون، لا يجوز خلافه، ولا إنكاره؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا {النساء:115}، وقوله صلى الله عليه وسلم: فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين، المهديين.... الحديث رواه أحمد والترمذي، وقال الترمذي: حسن صحيح.
ثم إن قراءة هذه الكلمة بالصاد، قراءة ثابتة، متواترة عن جمهور القراء، وهي موافقة لوجه صحيح من وجوه اللغة العربية.
فقد جاء في النشر في القراءات العشر: (واختلفوا) في: المسيطرون هنا (وبمسيطر) في سورة الغاشية، فرواها هشام بالسين فيهما. ورواه خلف عن حمزة بإشمام الصاد الزاي (واختلف) عن قنبل، وابن ذكوان، وحفص، وخلاد... إلى أن قال: والصاد هي رواية الحلواني، ومحمد بن سعيد البزاز، كلاهما عن خلاد -ورواية محمد بن لاحق عن سليم، وعبد الله بن صالح عن حمزة، وبذلك قرأ الباقون. اهـ.
وفي حجة القراءات لابن زنجلة: قرأ ابن كثير، وحفص: أم هم المسيطرون بالسين، وقرأ حمزة بالإشمام، وقرأ الباقون بالصاد. والمسيطرون: الأرباب المتسلطون، يقال تسيطر علينا، وتصيطر بالصاد والسين، والأصل السين، وكل سين بعدها طاء يجوز أن تقلب صادا سطر، وصطر، ويجوز الإشمام. اهـ.
وقد بين ابن الجزري في النشر في القراءات العشر حكمة كتابتها بالصاد فقال: فانظر كيف كتبوا الصراط، والمصيطرون بالصاد المبدلة من السين، وعدلوا عن السين التي هي الأصل لتكون قراءة السين وإن خالفت الرسم من وجه، قد أتت على الأصل فيعتدلان، وتكون قراءة الإشمام محتملة، ولو كتب ذلك بالسين على الأصل لفات ذلك، وعدت قراءة غير السين مخالفة للرسم، والأصل. اهـ.
وفي مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني: ومن بعد نظر الصحابة في رسم المصحف، أن الكلمة التي رويت على الأصل، وعلى خلاف الأصل كانوا يكتبونها بالحرف الذي يخالف الأصل، ليتعادل مع الأصل الذي لم يكتب في دلالة الصورة الواحدة على القراءتين، إذ يدل على إحداهما بالحروف، وعلى الثانية بالأصل. نحو كلمتي الصراط، والمصيطرون بالصاد المبدلة بالسين فإنهم كتبوهما بالصاد، وعدلوا عن السين التي هي الأصل لتكون قراءة السين وإن خالفت الرسم قد أتت على الأصل فيعتدلان، وتكون قراءة الإشمام أيضا محتملة، ولو كتب ذلك بالسين على الأصل لفات هذا الاحتمال، وعدت قراءة غير السين مخالفة للرسم، والأصل كليهما. ولذلك كان الخلاف المشهور في بصطة الأعراف، دون بسطة البقرة؛ لكون حرف البقرة كتب بالسين، وحرف الأعراف كتب بالصاد. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني