السؤال
يا شيخ حلت بي مصيبة، فقد كنت في بيت صديقتي، ومتجهة للوضوء لأصلي، فجأة بدأ أبوها بسب ولعن الدين. ما أعظم همي، أسمع ذلك وأقهر، ثم سمعته قال شيئا، ثم سمعت ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لا أدري ماذا قال؟ وقبل ذلك سمعته قال قولة كفر، فحاولت صديقتي أن تضحكني، لم أرد الضحك، وقاومت، أظن أن فمي تحرك، لكن أظن أني لم أضحك، لكن تبت، ثم حين سمعته ذكر اسم الرسول صلى الله عليه وسلم لا أدري ما ذا حدث، حاولت صديقتي أن تضحكني، أظن أنني لم أضحك، نسيت، فأنا وقتها ذاهبة للوضوء، نسيت، عدت للبيت، وسوست هل أكون وقعت في الكفر، وبدأت أوسوس؟ تبت، ثم قال تموتين حدا بالسيف. أنا راضية هل ذلك حكمي؟
ثم إني قلت هو لم يسب، وبينما كنت أصلي، تذكرت كل ما جرى لي في كامل اليوم، بينما كنت أتوب لله، تذكرت ذنبي لأتوب، ثم بدأت أتذكر الحادث، ثم قلت هو لم يسب. وكيف يقع علي الكفر وأنا في الحمام، وهو في مكان آخر؟ هل مجرد الشك أني ضحكت أكون كفرت، ثم وسوس لي حتى جعلني أفكر، فقلت هو لو سب، أنا لو قلت له لا تفعل ذلك، سيتمادى، وقد يسب، ولأني أعلم شعب بلدي كيف يتصرفون. أظن أني تخيلت ردة فعله نسيت ماذا تخيلت، لكن طمأنت نفسي: لم أقع في الكفر بتلك الحجة، وبعد الفراغ من الصلاة قال: لعلك سببت الرسول صلى الله عليه وسلم حين تخيلت ردت فعله، وأقواله في نفسك. هيا اقتلي نفسك حدا.
يا شيخ أفعل هذا أم لا؟ أنا راضية.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأنت والحمد لله مسلمة، وهذا الخوف الشديد الذي أصابك، يدل على الإيمان، والخوف من غضب الرحمن، ومن كان حاله كذلك، كيف يقال عنه إنه كفر! فأعرضي تماما عن هذه الوساوس، ولا تلتفتي إليها، وانظري الفتوى رقم: 69719، والفتوى رقم: 128213.
ومن شك أنه ضحك، أو لم يضحك، فالأصل أنه لم يضحك؛ لأن هذا هو اليقين، وما زاد مشكوك فيه، واليقين لا يزول بالشك، وهي قاعدة فقهية من فروعها أيضا قاعدة: الأصل العدم. ولو أنك ضحكت، فلا يلزم أن يكون ضحكا مخرجا عن الملة.
ولو أن المسلم كفر فعلا، واستحق حد الردة، فلا يقيم هو الحد على نفسه، فإن هذا انتحار. ولا يقيمه عليه غيره، إلا أن يكون سلطانا حاكما، فالحدود إلى السلطان، كما قرر ذلك العلماء، وكلامهم مضمن في الفتوى رقم: 72397. والخلاصة: دعي عنك الوساوس، واستأنفي حياتك كأن شيئا لم يكن.
وأما ما ذكرت عن هذا الرجل -لو صح- فأمر خطير، ويدل على سفه، وعدم مبالاة لما يمكن أن يفسد له دينه، ويخرجه من دائرة الإسلام، فيجب أن ينصح، ويخوف بالله وأليم عقابه، ويمكن الاستفادة بما ذكرنا من النصوص، وكلام أهل العلم في حكم سب الدين، وأنه مخرج عن الملة. فراجعي الفتوى رقم: 133، والفتوى رقم: 161639.
فإن تاب إلى الله فالحمد لله، وإلا فهجره مطلوب، وقد يكون واجبا، ولكن هذا كله تبعا للمصلحة، فإن خشي أن يزيده الهجر عنادا فلا يهجر، وانظري الفتوى رقم: 14139.
ومن الخطورة بمكان أيضا ضحك ابنته في تلك اللحظة، فإنه أيضا يدل على عدم غيرة على الدين، فهذه لحظة غضب لله تعالى، لا لحظة ضحك. فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء يؤتى إليه حتى تنتهك من حرمات الله، فينتقم لله. متفق عليه واللفظ للبخاري. وفي رواية الطبراني عن أنس رضي الله عنه: فإن انتهكت لله حرمة، كان أشد الناس غضبا لله.
والله أعلم.