الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تكرار الردة وتكرار التوبة منها

السؤال

ما حكم شخص تكررت منه الردة بأقوال فقط؛ كالاستهزاء، والسب للدين، ونحوه؟ وأنه كل مرة يثبت ويندم ويتوب للحق، ثم يعاود فعل ذلك من الغضب أو نحوه أو من مشاكل الحياة المتعددة التي سئم منها، علما بأنه يعلم أن الخالق هو الله، وهو المتحكم والمتصرف في كل شيء، فهل الله ختم على قلبه بعدم التوبة والرجوع للطريق الصحيح لما فعله من المعاصي؟ وهل إذا تاب بعد ما تكررت منه الردة عشرات المرات تقبل توبته وتغفر له ذنوبه؟ علما بأنه كان قبل الخوض في ذلك الطريق السيء كان مسلما عابدا ويؤدي فروضه بالتزام، ويخاف من عقاب الله، ثم بدأ الكفر -والعياذ بالله- يتكرر منه واحدة بعد واحدة. وهل إذا رجع للحق ستيسر له حياته ويعيش فيها سعيدا مثلما كان أم أنه فات الأوان للتوبة؟ وما معنى هذه الآية: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)؟ هل معناها أن ذلك العبد انتهى أمره، وفي النار خالدا فيها أبدا؟ وعندما يأتي له الشيطان ويقول: لقد انتهى أمرك، أنت في النار، ولا سبيل لك هل هذا صحيح؟ وما حكم شخص تربت به تلك الأقاويل والوساوس، وتكبر قلبه عن الحق؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من تكررت منه الردة، وتاب صادقًا فتوبته مقبولة فيما بينه وبين الله سبحانه باتفاق العلماء؛ جاء في لوامع الأنوار البهية -في كلامه عمن تكررت ردته، ونحوه، كالملحد-: فمن صدق منهم في توبته قبلت باطنًا، ونفعه ذلك بلا خلاف، كما ذكره الإمام ابن عقيل، وموفق الدين ابن قدامة، وغيرهما. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 185661.

والتوبة بابها مفتوح حتى يعاين العبد الموت، كما جاء في حديث ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» أخرجه الترمذي، والحاكم وصححه، وصححه ابن حبان وبوب عليه: ذكر تفضل الله -جل وعلا- على التائب بقبول توبته كلما أناب ما لم يغرغر حالة المنية به. اهـ.

وأما قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {النساء:48}: فالمراد به: أن مات مشركًا ولم يتب فإن الله لا يغفر له، فالآية في حق غير التائب؛ قال ابن تيمية: والله تعالى غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، والذنب وإن عظم والكفر وإن غلظ وجسم فإن التوبة تمحو ذلك كله، والله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب؛ بل يغفر الشرك وغيره للتائبين، كما قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}. وهذه الآية عامة مطلقة؛ لأنها للتائبين. وأما قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فإنها مقيدة خاصة؛ لأنها في حق غير التائبين؛ لا يغفر لهم الشرك، وما دون الشرك معلق بمشيئة الله تعالى. اهـ.

فالحاصل: أن من انتكس ووقع في الاستهزاء بالدين أو سبه فعليه أن يبادر بالتوبة والأوبة إلى الله، ولا يلتفت إلى تقنيط الشيطان، وليعلم أن رحمة الله وعفوه لعبده التائب أوسع من الذنوب مهما عظمت.

كما يحسن التنبيه إلى أن بعض الناس يلج الشيطان عليه من باب الردة؛ فيوسوس له بوقوعه في الكفر والردة، ويتسلط عليه، وبذلك يسومه سوء العذاب، وعلاج من ابتلي بهذا هو في الإعراض عن الوساوس، وعدم الالتفات إليها، وراجع في هذا الفتويين التاليتين: 164015، 192885.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني