السؤال
ابنة عمي قذفتني وقذفت أمي، وأنا قذفتها، وأمي تريد قطع علاقتي معها، فهل أطيع أمي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن كنت تعنين القذفَ بالزنا؛ فاعلمي أن القذف بالزنا من غير بينة يعتبر كبيرة من كبائر الذنوب المهلكة، كما في الحديث: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ -وذكر منهن-: وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ" متفق عليه. كما أن القذف يترتب عليه جلد القاذف ثمانين جلدة إذا لم يحضر بينة على قذفه، لقول الله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور: 4]. وهو حق للشخص المقذوف يجوز له استيفاؤه أو العفو عنه.
وبهذا يتبين لك أن القذف ليس بالأمر الهين الذي يتلفظ به الإنسان من غير نظر في عاقبته؛ { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ } [النور: 15]، وحتى لو كانت هي البادئة بالقذف فإن هذا لا يبيح لك قذفها، فالواجب عليكن جميعا التوبة إلى الله تعالى بالندم على ما فعلتن، والعزم على عدم العودة إليه، ويجوز لكل واحدة منكن أن ترفع أمرها إلى القضاء -إن شاءت- لتستوفي حقها من الأخرى، وتنال أيضا عقوبة قذفها لها إن لم تقم البينة الشرعية.
وأما قطعك لابنة عمك: فإن هذا ربما كان ذنبا آخر أيضا لاحتمال دخوله في قطيعة الرحم، فقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن الرحم التي تجب صلتها كل رحم ولو كانت غير محرم، كما بيناه في الفتوى رقم: 11449، وابنة العم على هذا القول تعتبر من الرحم التي تجب صلتها، وقطيعة الرحم من كبائر الذنوب، ولا تُطاع فيه الأم، ولا طاعة لها في معصية الله تعالى، فلا تجمعي مع القذف وما يمكن أن يكون قطيعةَ رحم، وحتى على القول بأنها ليست من الرحم الواجب صلتها: فإنها يبقى لها حق أخوة الإسلام، ولا يجوز التهاجر بين المسلمين من غير مسوغ شرعي لحديث: "لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ" متفق عليه.
فننصحكن بتقوى الله تعالى، وإصلاح ما بينكن، وهذا خير من التمادي في العصيان، ولْتَكُونِي المُبَادِرَةَ بالإصلاح والصلةِ؛ ففي الحديث -أيضًا-: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ؛ يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ" متفق عليه.
والله تعالى أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني