السؤال
في بداية محاولتي الالتزام مرت فترة جيدة كنت أقوم فيها من الليل، ولو ركعتين، وكانت عباداتي ـ والحمد لله ـ جيدة، ثم بعد ذلك لا أدري ما الذي حصل لي، ودائما أقول لنفسي: قيدتني ذنوبي، لكنني الآن أحاول بصدق أن أرجع مثل ما كنت، ولا أستطيع، بل بالعكس أجد الوضع أصبح أسوأ، ولا أدري ماذا أفعل؟ وأحاول كثيرًا أن أراقب تصرفاتي خلال النهار؛ لكي لا أقع في أخطاء كثيرة، وأخاف من قوله تعالى: ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم ـ أرجو إعطائي بعض النصائح.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أصابك الفتور، ونسأل الله أن يمن علينا وعليك بالإقبال عليه، وأن يعيذنا وإياك من العجز، والكسل، وقد بينا علاج الفتور في الفتوى رقم: 121317، وتوابعها.
وراجعي قيام الليل.. فضله ثمراته.. وما يعين عليه في الفتوى رقم: 158493.
وننبهك إلى أن هذه الحال تعرض لعموم السالكين إلى الله، قال ابن القيم في مدارج السالكين: ومر أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ على رجل، وهو يبكي من خشية الله، فقال: هكذا كنا حتى قست قلوبنا ـ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن لكل عامل شرة، ولكل شرة فترة ـ فالطالب الجاد: لا بد أن تعرض له فترة، فيشتاق في تلك الفترة إلى حاله وقت الطلب والاجتهاد، ولما فتر الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغدو إلى شواهق الجبال ليلقي نفسه، فيبدو له جبريل عليه السلام، فيقول له: إنك رسول الله، فيسكن لذلك جأشه، وتطمئن نفسه ـ فتخلل الفترات للسالكين: أمر لازم لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم: رجا له أن يعود خيرًا مما كان، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-: إن لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض ـ وفي هذه الفترات، والغيوم، والحجب، التي تعرض للسالكين: من الحكم ما لا يعلم تفصيله إلا الله، وبها يتبين الصادق من الكاذب، فالكاذب: ينقلب على عقبيه، ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه، والصادق: ينتظر الفرج، ولا ييأس من روح الله، ويلقي نفسه بالباب طريحًا ذليلًا مسكينا مستكينًا، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه ألبتة، ينتظر أن يضع فيه مالك الإناء، وصانعه ما يصلح له، لا بسبب من العبد ـ وإن كان هذا الافتقار من أعظم الأسباب ـ لكن ليس هو منك، بل هو الذي من عليك به، وجردك منك، وأخلاك عنك، وهو الذي يحول بين المرء وقلبه، فإذا رأيته قد أقامك في هذا المقام، فاعلم أنه يريد أن يرحمك، ويملأ إناءك، فإن وضعت القلب في غير هذا الموضع، فاعلم أنه قلب مضيع، فسل ربه ومن هو بين أصابعه: أن يرده عليك، ويجمع شملك به، ولقد أحسن القائل: إذا ما وضعت القلب في غير موضع... بغير إناء فهو قلب مضيع. انتهى.
وننصحك بمطالعة مقالة: واشوقاه إلى أوقات البداية! عبد الله بن عبد الرحمن الوهيبي، موقع: صيد الفوائد.
والله أعلم.