السؤال
ما حكم من صلى العشاء قبل منتصف الليل بقليل، ثم خرج الوقت وهو في الصلاة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فننبهك أولا إلى أن من دخل في صلاة العشاء قبل منتصف الليل بقليل، يستبعد إمكان خروج وقتها وهو في الصلاة؛ لأن وقتها لا يخرج إلا بطلوع الفجر، على القول الصحيح. وإنما يمكن القول بخروج وقتها المختار وهو فيها.
وعلى أية حال، فالأولى بالمسلم المبادرة إلى أداء الصلاة في أول وقتها؛ لقوله تعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ {البقرة:148}. ولما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها. وجاء استحباب تأخير العشاء خاصة عن أول وقتها إلى ثلث الليل، أو نصفه فقط، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، أَوْ نِصْفِهِ. اهــ.
قال الحافظ في الفتح: فَعَلَى هَذَا مَنْ وَجَدَ بِهِ قُوَّةً عَلَى تَأْخِيرِهَا وَلَمْ يَغْلِبْهُ النَّوْمُ، وَلَمْ يَشُقَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمَأْمُومِينَ، فَالتَّأْخِير فِي حَقّه أَفْضَل. اهــ.
وما بعد متنصف الليل يعتبر وقت ضرورة، ولا تؤخر الصلاة إلى الوقت الضروري بدون عذر. وقد اختلف أهل العلم فيمن أخر الصلاة إلى وقت الضرورة لغير عُذر هل يأثمُ وتكون أداءً، أو يكونُ قد فعل مكروهاً؟
جاء في كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد المالكي: وسميت هذه الأوقات أوقات ضرورة؛ لأنه لا يجوز تأخير الصلاة إليها إلا لأصحاب الضرورة، وهم: الحائض، والنفساء، والكافر أصلا وارتدادا، والصبي، والمجنون، والمغمى عليه، والنائم، والناسي، وكل من فعلها منهم، أو من غيرهم في شيء منها كان مؤديا لا قاضيا، ومع ذلك يكون غير ذي العذر عاصيا لتفريطه. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: إنما يباح تأخيرها لعذر، وضرورة كحائض تطْهر، أو كافر يسلم، أو صبي يبلغ، أو مجنون يفيق، أو نائم يستيقظ، أو مريض يبرأ. اهـ.
وقد سبق بيان ذلك كله مفصلا في الفتوى رقم: 124150.
ثم إن أهل العلم قد اختلفوا في الصلاة إذا فعل بعضها في الوقت، وبعضها خارجه هل تكون أداء أو قضاء.
جاء في الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، وهو شرح مختصر المزني: ولو أحرم بها بعد دخول الوقت، فسلم منها بعد خروج الوقت، فإن كان لعذر في التأخير أجزأته أداء، فإن كان لغير عذر أجزأته، وهل يكون ما فعله منها بعد الوقت أداء، أو قضاء؟ على وجهين: ذكرناهما في آخر وقت العصر؛ فعلى هذا لو صلى ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس، والركعة الثانية بعد طلوع الشمس، كانت الصلاة مجزئة إذا كان معذورا، وعلى وجهين إن لم يكن معذورا، ولا تبطل بطلوع الشمس في أثنائها. اهـ.
وعلى أية حال، فإن صلاة الشخص المذكور صحيحة، سواء قلنا بحرمة ما فعله، أو كراهته، أو جوازه.
وجميع ما ذكرناه هنا إنما هو على رأي الجمهور في أن وقت العشاء لا يخرج بمنتصف الليل، وهو الراجح عندنا، وذهب بعض أهل العلم إلى خروجه بمنتصف الليل، وعلى مذهب هؤلاء، وأن الصلاة لا تدرك إلا بإدراك ركعة قبل خروج الوقت، فمن صلى العشاء قبل منتصف الليل بقليل (لا يتسع لفعلها) ثم خرج الوقت وهو في الصلاة.. فإن كان قد فعل منها ركعة قبل خروج الوقت، فقد أدركها، فيكملها ولو خارج الوقت، وكذا من لم يدرك ركعة وكان له عذر في التأخير. وأما من لم يدرك ركعة، ولم يكن معذورا في التأخير فإنه يكون قد فوتها، وقد رجح بعض العلماء أنه لا يطالب بقضائها.
وهذه المسائل جاءت مفصلة في كتب الشيخ العثيمين رحمه الله.
فقد جاء في فقه العبادات للشيخ العثيمين عند ذكر أوقات الصلاة قال: ... وفي العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل، وما بعد منتصف الليل فهو وقت لا تصلى فيه العشاء؛ لأن وقتها قد خرج، إلا إذا كان الإنسان قد نام، أو نسي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من نام عن صلاته، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها. اهـ.
وفي تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة: ... ومن أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج الوقت فهو مدرك لها لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وفي لفظ (إذا أدرك أحدكم سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح فليتم صلاته) متفق عليه وفي مدرك أقل من ركعة وجهان أحدهما يكون مدركاً لها لأنه إدراك جزء من الصلاة فاستوى فيه الركعة وما دونها كإدراك الجماعة، والثاني لا يكون مدركاً لها لتخصيصه الإدراك بالركعة وقياساً على إدراك الجمعة. الشيخ: والصواب أنه لا يدرك إلا بإدراك ركعة سواء من أول الوقت أو آخره. اهـ.
وجاء في مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين بعد أن ذكر الخلاف في قضاء الصلاة المتروكة عمدا من غير عذر، قال: من هذا تبين أن للعلماء فيها رأيين:
أحدهما: وجوب القضاء، وهو رأي الجمهور، وقد ذكرنا أدلتهم التي نعرفها.
الثاني: عدم وجوب القضاء وأنه يكفي تحقيق التوبة، والإكثار من الاستغفار والعمل الصالح، وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الراجح لقوة دليله. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني