السؤال
ما رأيكم في بعض النساء اللواتي يتساهلن في مسألة الرضاع سواء للأولاد أو للبنات؟ ففي الوقت الحاضر هناك جميع أنواع الحليب وليست هناك مجاعة أو أسباب تجعل المرأة ترضع هذا الطفل، وقد سمعت من بعضهن أنها تريد فقط أن يكون لولدها أخ من الرضاع، لأنه وحيدها وأن يصبح في المستقبل أخا له ولأخواته، فهل هذا جائز، مع العلم أنه لا توجد حاجة ماسة للإرضاع؟ وهل هذا من العبث واختلاط الأنساب؟. أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاسترضاع أمر لا بأس به، وتترتب عليه فوائد كثيرة، بينا بعضها في الفتوى رقم: 162125.
وراجع بعض حِكَم التحريم بالرضاع في الفتوى رقم: 73428.
وليس غرض الرضاع مجرد المجاعة، فقد ذكر الفقهاء أن للرضاع أثرا في انتقال بعض الصفات إلى الرضيع، فاسترضاع النجيبة مدعاة لنجابة الطفل، وعكسه الحمقاء، قال ابن قدامة في المغني: فصل: كره أبو عبد الله الارتضاع بلبن الفجور والمشركات، وقال عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما: اللبن يشتبه، فلا تستق من يهودية ولا نصرانية ولا زانية، ولا يقبل أهل الذمة المسلمة، ولا يرى شعورهن، ولأن لبن الفاجرة ربما أفضى إلى شبه المرضعة في الفجور، ويجعلها أما لولده، فيتعير بها، ويتضرر طبعا وتعيرا، والارتضاع من المشركة يجعلها أما، لها حرمة الأم مع شركها، وربما مال إليها في محبة دينها، ويكره الارتضاع بلبن الحمقاء، كيلا يشبهها الولد في الحمق فإنه يقال: إن الرضاع يغير الطباع، والله تعالى أعلم. انتهى.
وقال ابن نجيم: وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُدْخِلَ وَلَدَهُ إلَى الْحَمْقَاءِ لِتُرْضِعَهُ... لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْحَمْقَاءِ يُعَرِّضُ وَلَدَهُ لِلْهَلَاكِ بِسَبَبِ قِلَّةِ حِفْظِهَا لَهُ وَتَعَهُّدِهَا، أَوْ لِسُوءِ الْأَدَبِ، فَإِنَّهَا لَا تُحْسِنُ تَأْدِيبَهُ فَيَنْشَأُ الْوَلَدُ سَيِّئَ الْأَدَبِ، وَقَوْلُهُ: اللَّبَنُ يُعْدِي ـ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَمْقَاءَ لَا تَحْتَمِي مِنْ الْأَشْيَاءِ الضَّارَّةِ لِلْوَلَدِ فَيُؤَثِّرُ فِي لَبَنِهَا فَيَضُرُّ بِالصَّبِيِّ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقُولُهُ الْأَطِبَّاءُ فَإِنَّهُمْ يَأْمُرُونَ الْمُرْضِعَةَ بِالِاحْتِمَاءِ عَنْ أَشْيَاءَ تُورِثُ بِالصَّبِيِّ عِلَّةً. انتهى.
ومن حكم الرضاع توسيع دائرة العلاقات، وتوفير محرم لمن لا ولد لها، أو لمن لا أخ لها، وغير ذلك من الحكم، وليس في ذلك اختلاط أنساب، ولا غيره، فأما إن كان الرضاع بلا سبب، فقد منعه بعض أهل العلم، قال ابن نجيم في البحر الرائق: وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَالْوَاجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ كُلَّ صَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَإِذَا فَعَلْنَ فَلْيَحْفَظْنَ أَوْ لِيَكْتُبْنَ. اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ صَبِيًّا مِنْ غَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، يُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ إلَّا إذَا خَافَتْ هَلَاكَ الرَّضِيعِ فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهَا عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ إحْيَاءً لِلنَّفْسِ. انتهى.
وقال ابن عابدين في حاشته: وفي الفتح:... والواجب على النساء أن لا يرضعن كل صبي من غير ضرورة، وإذا أرضعن فليحفظن ذلك وليشهرنه ويكتبنه احتياطا. اهـ.
وكأن المنع هنا لما يُخشى من عدم توثيق ذلك مما يؤدي إلى أن يتزوج الرجل أخته من الرضاع، ولذلك قال: فليحفظن ذلك، وليشهرنه، ويكتبنه احتياطا.
والله أعلم.