السؤال
هل الاعتكاف مقتصر على الحرمين ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحرمان هما: مكة والمدينة، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم داخل فيهما، ولعل السائل يقصد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي بالمدينة، وبيت المقدس بالقدس.
وعلى كلٍ، فلا يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في أحد المساجد الثلاثة عند جماهير العلماء، وهم متفقون على أن المسجد الجامع يصح فيه الاعتكاف وهو أولى من غيره بعد المساجد الثلاثة، وإنما اختلفوا في المسجد غير الجامع. والراجح جواز الاعتكاف فيه إذا كان تقام فيه الجماعة وهو ما ذهب إليه الإمام أحمد، ورجحه ابن قدامة قائلاً: ولنا قول عائشة: من السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة. وقد قيل: إن هذا من قول الزهري وهو ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفما كان، وروى سعيد.. عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسجد له إمام ومؤذن فالاعتكاف فيه يصلح.
ولأن قول الله تعالى: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]. يقتضي إباحة الاعتكاف في كل مسجد، إلا أنه يقيد بما تقام فيه الجماعة بالأخبار، والمعنى الذي ذكرناه، ففي ما عداه يبقى على العموم.
وقال أيضاً: وإن كان اعتكافه مدة غير وقت الصلاة كليلة أو بعض يوم جاز في كل مسجد لعدم المانع، وإن كانت تقام فيه في بعض الزمان، جاز الاعتكاف فيه في ذلك الزمان دون غيره، وإن كان المعتكف ممن لا تلزمه الجماعة، كالمريض والمعذور ومن هو في قرية لا يصلي فيها سواه، جاز اعتكافه في كل مسجد لأنه لا تلزمه الجماعة فأشبه المرأة.... انظر المغني 3/2152.
وبهذا التفصيل الذي ذكره الإمام ابن قدامة رحمه الله يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بها جميعاً ولله الحمد.
بقي أن نشير إلى أنه قد حكي عن سعيد بن المسيب وحذيفة أنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد نبي، كما حكي عن حذيفة أنه لا يصح إلا في أحد المساجد الثلاثة، وقد خالفه ابن مسعود كما في مصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة وغيرهما: وذلك أنه لما دخل حذيفة مسجد الكوفة فرأى أبنية مضروبة, فسأل عنها، فقيل: قوم معتكفون، فانطلق إلى ابن مسعود فقال له: ألا تعجب من قوم يزعمون أنهم معتكفون بين دارك ودار الأشعري؟ فقال ابن مسعود: فلعلهم أصابوا وأخطأت، وحفظوا ونسيت. فقال حذيفة: لقد علمت ما الاعتكاف إلا في ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويمكن أن يوجه الأثر الوارد عن حذيفة رضي الله عنه، بأن ما ذكره حذيفة رضي الله عنه إنما هو اجتهاد منه لم يستند فيه إلى دليل من كتاب أو سنة، وقد خالفه فيه ابن مسعود رضي الله عنه، ولا مسوغ لترجيح اجتهاد حذيفة رضي الله عنه، على اجتهاد غيره دون دليل.
ومما يؤيد هذا التوجيه اتفاق الفقهاء على صحة الاعتكاف في أي مسجد جامع أخذاً بعموم النصوص حيث لم تخص مسجداً دون غيره، كقول تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد [لبقرة:187].
قال ابن تيمية رحمه الله: فلا يكون الاعتكاف إلا في المسجد باتفاق العلماء. انظر مجموع الفتاوى 27/252
وأخيراً: لا بد من التنويه إلى أن الحديث الذي أورده ابن قدامة عن سعيد بن منصور مسنداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة: كل مسجد له إمام ومؤذن فالاعتكاف فيه يصح.
حديث حكم عليه المحدث الألباني بأنه موضوع كما في ضعيف الجامع الصغير برقم 4250.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني