السؤال
هل الاختلاف بين أهل العلم في التائب من المعصية - فيما إن كان يجب عليه محو آثارها من عدمه - هل هي مسألة اجتهاد؛ يمكنني الأخذ بأيهما أردت أم مسألة خلافية؟ وهل القائلون بأنه يلزم التائب محو آثار ذنبه يعنون بأنه وإن تاب فسيستمر تدفق السيئات عليه ما دامت آثار ذنبه موجودة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرتِ من قبل أنك مصابة بالوسوسة، وقد أجبناك عن سؤال مشابه في فتوانا رقم: 284590.
والذي ننصحك به هو: أن تطرحي الوساوس، وألا تلتفتي إليها، واعلمي أن المتفق عليه بين المسلمين هو أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فمن يقول إن على التائب محو آثار ذنبه يعني بذلك أن عليه أن يبين قدر استطاعته لمن تأثر بإضلاله أن ما دعاه إليه كان مخالفًا للشرع؛ قال ابن القيم: فإن قيل: فكيف التوبة من هذا المتولد وليس من فعله، والإنسان إنما يتوب عما يتعلق باختياره قبل التوبة منه بالندم عليه، وعدم إجابة دواعيه وموجباته، وحبس النفس عن ذلك؟ فإن كان المتولد متعلقا بالغير: فتوبته مع ذلك برفعه عن الغير بحسب الإمكان، ولهذا كان من توبة الداعي إلى البدعة أن يبين أن ما كان يدعو إليه بدعة وضلالة، وأن الهدى في ضده؛ كما شرط تعالى في توبة أهل الكتاب الذين كان ذنبهم كتمان ما أنزل الله من البينات والهدى ليضلوا الناس بذلك، أن يصلحوا العمل في نفوسهم، ويبينوا للناس ما كانوا يكتمونهم إياه، فقال: {ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}. انتهى.
وقد ذكرتِ لنا من قبل أنك نصحت من دعوتهم إلى المعصية، وبينا لك أن ذمتك برئت بهذا، وأن اهتداءهم ليس مما تكلفين به، وأنه لا يلحقك شيء من أوزارهم؛ فدعي عنك الوساوس، ولا تعيريها اهتماما؛ فإن الاسترسال مع الوساوس يفضي إلى شر عظيم.
والله أعلم.