السؤال
عندي شبهة، أرجو من حضراتكم الرد عليها: "عندما آذى الكافرون النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءه ملك بأمر من الله يقول: "إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين" فلم يرض النبي صلى الله عليه وسلم.
هل ذلك يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر رحمة بهم من الله؟
وعندي أخرى "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينتقم لنفسه قط"
فهل هذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم، أكثر رحمة من الله؛ إذ إن الله في بعض الأحيان ينتقم من الخلق؟
أرجو الرد بأسرع وقت؛ فإني أخشى أن ينشرح لهذا صدري.
أستغفر الله العظيم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الفهم مردود بالنصوص الصحيحة، الثابتة في الكتاب والسنة، والتي تتضمن وصف الله تعالى على سبيل التفضيل بكونه أرحم الراحمين، كما في قول الله تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {الأنبياء:83}. وفي قوله تعالى إخبارا عن يعقوب عليه السلام: قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {يوسف:64}، وأخبر عن موسى عليه السلام أنه قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {الأعراف:151}.
وفي صحيح مسلم: فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط، قد عادوا حمما، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر، أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر، وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض. فقالوا: يا رسول الله، كأنك كنت ترعى بالبادية، قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا، أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا، أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي، فلا أسخط عليكم بعده أبدا....اهـ.
ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رحيما، وقد قال الله تعالى فيه: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ . فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. [التوبة/128، 129]. وقال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ. [الأنبياء/107].
ولكن هذه الرحمة من رحمة الله تعالى، حيث جعله لينا رحيما بأمته، فقد جاء في الحديث: يا أيها الناس: إنما أنا رحمة مهداة. رواه الدارمي والبيهقي وصححه الألباني.
وفي فتح الباري لابن حجر، عند الكلام على رحمته صلى الله عليه وسلم في حديث: أرجو أن يخرج الله من أصلابهم ..."
قال ابن حجر: وفي هذا الحديث بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على قومه، ومزيد صبره، وحلمه، وهو موافق لقوله تعالى: فبما رحمة من الله لنت لهم. وقوله: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. اهـ.
وهذه الرحمة التي في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هي من فضل الله عليه، فهو الرحيم سبحانه، وتأمل عفو الله، وصفحه، وإحسانه لكثير ممن يستحق العذاب والعقاب، ومنهم أهل مكة وغيرهم، فلا أحد أرحم منه سبحانه.
والله أعلم.