السؤال
ما حكم من يترحم على رؤوس الكفر، ويدعو المسلمين إلى ذلك؟
وهو يعلم علم اليقين حرمة هذا الأمر، بل ويدرس أصول الدين لطلابه، وما حكم أخذ العلوم الشرعية عنه إذا كانت هذه حاله؟.
ما حكم من يترحم على رؤوس الكفر، ويدعو المسلمين إلى ذلك؟
وهو يعلم علم اليقين حرمة هذا الأمر، بل ويدرس أصول الدين لطلابه، وما حكم أخذ العلوم الشرعية عنه إذا كانت هذه حاله؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز الدعاء للكفار بالرحمة, بل يعتبر الدعاء به من الاعتداء، فقد قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا {النساء: 168 - 169 }، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: وقد قال تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ـ في الدعاء، ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله، مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك. انتهى.
وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده والترمذي عن أبي موسى الأشعري قال: كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم يرجون أن يقول لهم: يرحمكم الله, فيقول: يهديكم الله ويصلح بالكم.
قال الملا على قاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 2989): (وعن أبي موسى، قال: كان اليهود يتعاطسون) أي: يطلبون العطسة من أنفسهم (عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرجون) أي: يتمنون بهذا السبب (أن يقول لهم: يرحمكم الله، فيقول) أي: النبي عليه السلام عند عطاسهم وحمدهم (يهديكم الله ويصلح بالكم): ولا يقول لهم: يرحمكم الله؛ لأن الرحمة مختصة بالمؤمنين، بل يدعو لهم بما يصلح بالهم من الهداية والتوفيق للإيمان. اهـ
وأما عن التعلم والاستفادة من هذا الشخص فلا حرج فيه مع التحري والبعد عن تقليده فيما يخطئ فيه؛ لأن الاستفادة ممن عنده علم بالشرع فيما يعلمه مشروعة، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم فادى بعض أسارى المشركين الذين أسروا في غزوة بدر بتعليم جماعة من أبناء الصحابة الكتابة، كما ذكره ابن حجر في الفتح، وابن القيم في زاد المعاد، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: لم يكن لأناس من أسارى بدر فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة. رواه البيهقي في السنن وابن سعد في الطبقات.
وليعلم الأخ السائل أن الخطأ في بعض الجزئيات الذي لا يسلم منه غير المعصوم لا يبرر ترك الاستفادة من المخطئ بسبب خطئه، وإنما يترك تقليده فيما خالف فيه الصواب، إذ لو ترك الناس الاستفادة من كل من أخطأ في منهجه لضاع كثير من العلم، وقد ذكر الذهبي في الميزان عند كلامه على المبتدعة: أن التشيع بلا غلو ولا تحرق كان كثيراً في التابعين وأتباعهم، قال: فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة. اهـ
وقال أيضا في ترجمة الحافظ شيخ الإسلام أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني مصنف كتاب الترغيب والترهيب نقلا عن تلميذه أبي موسى المديني أنه قال: أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة ولا يطعن عليه بذلك؛ بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب،قال أبو موسى: أشار بهذا إلى أنه قل إمام إلا وله زلة، فإذا ترك لأجل زلته ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل. انتهى.
هذا، وننبه إلى أن هذا إنما يعمل به مع من أخطأ في مسألة أو مسائل جزئية، وأما من كان متهما بموالاة الكفار ومحبتهم أو باعتناق مذهب إلحادي؛ فالواجب البعد عنه لئلا تنطلي شبهه على من لم يتسلح بالعلم الشرعي، فقد جاء في سنن الدارمي عن أسماء بن عبيد قال: دخل رجلان من أصحاب الأهواء على ابن سيرين فقالا: يا أبا بكر: نحدثك بحديث؟ قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله؟ قال: لا، لتقومان عني أو لأقومن، قال: فخرجا، فقال بعض القوم: يا أبا بكر: وما كان عليك أن يقرآ عليك آية من كتاب الله تعالى؟ قال: إني خشيت أن يقرآ علي آية فيحرفانها فيقر ذلك في قلبي. اهـ
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني