السؤال
أنا محتار في أمر من أمور النية؛ مثلًا: إذا أقدمت على الزواج وجماع زوجتي بدون أن أضع في نيتي أصلًا أن أرضي الله، فقط أردت أن أجامع زوجتي، وفقط لرغبتي وشهوتي ومحبتي لذلك، هل سآخذ ثوابًا؟ كما أنني إذا ذهبت وزنيت لرغبتي ومحبتي لذلك بدون مقصد لإغضاب ربي أصلًا أو أن أفعل ذلك عنادًا وما شابه، أقصد: هل سأثاب إذا جامعت زوجتي بالحلال بدون نية لطلب مرضاة الله، كما سآخذ وزرًا إذا زنيت بدون نية أصلًا في طلب سخط الله وما شابه؟
والشيء الأخير: هل إذا طلبت المعالي وسمو النفس لنفسي وذاتي، ليس طلبًا لمرضاة الله، وكذلك لو تركت التدخين لأنه يقدح في المروءة، ولم آخذ في اعتباري مرضاة الله، وليس ذلك عدم مبالاة مثلًا في رضى الله أو شيء من هذا، هل سآخذ أجرًا إذا فعلت شيئًا لنفسي يرفع قدرها أمام نفسي فقط؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل العلم قد اختلفوا هل يؤجر العبد على قضاء شهوته في الحلال من غير نية؟ وأكثرهم على أنه لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ للحديث الشريف المتفق عليه: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
لذلك فإن من تزوج أو أتى أهله أو فعل شيئًا من معالي الأمور المباحة ليرفع به قدر نفسه أو ما أشبه ذلك بدون نية واحتساب للأجر، فإنه لا أجر له ولا وزر عليه؛ لأن الأعمال بالنيات، والنيات هي التي تحول العادات والمباحات إلى طاعات، قال الإمام النووي في شرح مسلم عند قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ": " ... وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَاتِ تَصِيرُ طَاعَاتٍ بِالنِّيَّاتِ الصَّادِقَاتِ؛ فَالْجِمَاعُ يَكُونُ عِبَادَةً إِذَا نَوَى بِهِ قَضَاءَ حَقِّ الزَّوْجَةِ وَمُعَاشَرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ صَالِحٍ، أَوْ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ إِعْفَافَ الزَّوْجَةِ وَمَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنَ النَّظَرِ إِلَى حَرَامٍ، أَوَ الْفِكْرِ فِيهِ أَوِ الْهَمِّ بِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الصَّالِحَةِ".
وقال ابن دقيق العيد في شرح الأربعين عند قوله صلى الله عيله وسلم "وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ": "وقد تقدم أن المباحات تصير بالنيات طاعات؛ فالجماع يكون عبادة إذا نوى به الإنسان قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف، أو طلب ولد صالح، أو إعفاف نفسه أو زوجته أو غير ذلك من المقاصد الصالحة".
وقال ابن عبد البر في التمهيد عند الكلام على حديث سعد: "فيه دليل على أن الأعمال لا تزكو عند الله إلا بالنيات؛ لقوله: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت فيها ـ فدل على أنه لا يؤجر على شيء من الأعمال إلا ما ابتغى به وجهه تبارك وتعالى".
وينطبق ما قيل أيضًا على ترك المحرمات؛ فلا ثواب في ترك التدخين أو غيره من المحرمات لمجرد أنه يقدح في المروءة؛ قال صاحب مراقي السعود:
وليس في الواجب من نوالِ عند انتفاء قصد الامتثالِ.
فيما له النية لا تشترط ُ وغير ما ذكرته فغلطُ.
ومثله الترك لما يحرّمُ من غير قصدِ ذا نعم مسلّمُ.
فأداء الواجب الذي لا يحتاج إلى نية كالنفقة على العيال وكذلك العادي وترك الحرام، كل ذلك لا ثواب فيه ولا أجر إلا بالنية.
وقد حمل أهل هذا القول ما جاء في بعض الأحاديث المطلقة -التي لم تذكر فيها النية- على الآيات والأحاديث التي قيدت حصول الأجر بالنية.
وقالت طائفة منهم يؤجر العبد على فعل ذلك بلا نية على ظاهر بعض الأحاديث الواردة في ذلك، وتنفعه النية العامة وهي نية الإسلام، فإنه بالإسلام تحصل له نية امتثال الطاعة واجتناب المعصية. وقد جاء في جامع العلوم والحكم لابن رجب مبينًا هذا الخلاف ومرجحًا اشتراط النية في حصول الأجر، قال بعد أن ذكر بعض هذه الأحاديث: " ... وظاهر هذه الأحاديث كلها يدل على أن هذه الأشياء تكون صدقة يثاب عليها الزارع والغارس ونحوهما من غير قصد ولا نية، وكذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أرأيت لو وضعها في الحرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» يدل بظاهره على أنه يؤجر في إتيان أهله من غير نية، فإن المباضع لأهله كالزارع في الأرض التي يحرث ويبذر فيها، وقد ذهب إلى هذا طائفة من العلماء، ومال إليه أبو محمد بن قتيبة في الأكل والشرب والجماع، واستدل بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن المؤمن ليؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه». وهذا اللفظ الذي استدل به غير معروف، إنما المعروف قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لسعد: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك»، وهو مقيد بإخلاص النية لله، فتحمل الأحاديث المطلقة عليه. والله أعلم.
ويدل عليه أيضًا قول الله -عز وجل-: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} [النساء: 114]. فجعل ذلك خيرًا، ولم يرتب عليه الأجر إلا مع نية الإخلاص. وأما إذا فعله رياء، فإنه يعاقب عليه، وإنما محل التردد إذا فعله بغير نية صالحة ولا فاسدة".
والله أعلم.