السؤال
أنا شاب من المغرب متزوج ولدي طفل في ربيعه الثاني ـ والحمد لله ـ أعمل في قطاع الطاقة وراتبي جيد ولله الحمد، لكنني بحكم نقص التجربة وعامل السن ـ27 سنة ـ وجدتني في دوامة من الديون بدأت حين قررت الزواح منذ 3 سنوات، حيث استدنت مبلغ 15000 درهم، لإتمام الزواج من بنك ربوي، لأن البنك الإسلامي لم يشرع في العمل إلى الآن، ثم بعدها مررت بظروف صعبة استدنت خلالها مبالغ متفرقة من أصدقاء كنت مجبرا لسدادها، وقد كانت حالتي المادية لا تبشر بأنه ستكون لي قدرة على السداد، ففكرت مليا ثم قررت البدء في مشروع ما للخروج من هذا الضيق، فاقترح علي صديق فكرة التوزيع الشبكي لشركة مختصة، لكنه يلزم مبلغ للاشتراك، وقد أقنعني بذلك، وبحكم الأزمة المادية أخذت قرضا آخر من البنك، فلم يشأ الله أن تكون في هذه الخطوة نتيجة، فقد وجدتها فكرة رائجة بكثرة ولا تأتي بنفع وضاعت النقود هباء، ثم صرفت الباقي في متطلبات الحياة... ثم قررت متابعة الدراسة للحصول على الإجازة لتطوير الذات وتحسين المستوى المادي في مركز متخصص، وأتابع الدراسة ـ والحمد لله ـ الآن، لكنني ملزم بأداء مبلغ مالي قبل نهاية الموسم الدراسي، فماذا أصنع؟ لا أريد أن أستدين من البنك ثانية، مع أنني مضطر؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج همك وييسر أمرك ويقضي دينك، وعليك باللجوء إليه، فإنه سبحانه وتعالى يجيب من دعاه، ولا يخيب من لجأ إليه ورجاه، وإليك هذا الحديث العظيم المشتمل على دعاء علمه النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة وقد لزمته ديون أهمته وأقضت مضجعه، فعن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة؛ ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، فقال: أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: فقلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي، وقضى ديني. رواه أبو داود.
وفي المسند وغيره: أن رجلاً أتى علياً ـ رضي الله تعالى عنه ـ فقال: يا أمير المؤمنين، إني عجزت عن مكاتبتي فأعني، فقال علي رضي الله عنه: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صير دنانير لأداه الله تعالى عنك؟ قلت: بلى، قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك.
ومما يعين على تيسير الأمور وكسب الأرزاق وتفريج الهموم تقوى الله عز وجل فقد قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2ـ3}.
وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}.
والاقتراض بالربا محرم لا يجوز ما لم تلجئ إليه ضرورة معتبرة شرعا، يقول العلماء: الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو ـ أي عضو من أعضاء النفس ـ أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه، ضمن قيود الشرع. انتهى من نظرية الضرورة الشرعية.
وقال الشيخ المودودي في كتابه الربا: لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا، فإن التبذير في مجالس الزواج ومحافل الأفراح والعزاء ليس بضرورة حقيقية، وكذلك شراء السيارة أو بناء المنزل ليس بضرورة حقيقية، وكذلك ليس استجماع الكماليات أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضرورة، فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار ويستقرض لها المرابون آلافاً من الليرات لا وزن لها ولا قيمة في نظر الشريعة.
وبالتالي، فيسعك أن تبحث عن الوسائل المشروعة لدفع حاجتك، والربا لا خير فيه، والمستجير به كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولا ضرورة إليه مع وجود البدائل المشروعة، فاسلك سبيلها واتق الله تعالى ييسر أمرك.
والله أعلم.