السؤال
عندي إشكال وأرجو الإجابة عليه، وهو أني أشعر عندما يدخل وقت الصلاة ولا أصلي مباشرة ولا أقوم لصلاة الجماعة وأؤخر الصلاة قليلا وبعدها أقوم بأدائها منفردا أحس بأن كل عمل أقوم به أثناء تأخيري للصلاة وعدم أدائها في أول وقتها أو القيام للجماعة هو عمل مكروه، فلو أردت أن آكل الطعام أو أن أذكر الله أحسست بأن أداء هذا الذكر أو انشغالي بالأكل مكروه؛ لأنه يؤخرني عن الصلاة، وبالتالي ليس فيه أجر من الله فأتركه، ما مدى صحة هذا الأمر؟ وما حكم التكاسل عن أداء الصلاة في أول الوقت؟.
وأرجو التوضيح حول أحكام فعل المكروه، وهل يجوز التوكل على الله في فعله؟ ومتى يكون العمل المباح أو المستحب مكروها؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي على المسلم أن يعظم أمر الصلاة فيقدمها على ما سواها، فإن الله تعالى مدح من يهتمون بها وأثنى عليهم، فقال تعالى في صفة عمار مساجده: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ {النور:37}، .
فكل ما شغلك عن الصلاة؛ فقد يكره أو يحرم بحسب حاله، ولو كان مستحبا؛ فمثلا صلاة سنة الصبح سنة مؤكدة، ومع ذلك يُنهى عنها إذا كانت وسيلة لتضييع الجماعة، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مالك ابن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يصلي، وقد أقيمت صلاة الصبح، فكلمه بشيء لا ندري ما هو، فلما انصرفنا أحطنا نقول: ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قال لي: «يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعا» ولذلك بوب عليه النووي: باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن.
وكذلك المباح إذا ألهى عن الصلاة صار مكروها أو محرما، كالبيع بعد نداء الجمعة الثاني، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الجمعة:9}.
فالمستحب والمباح قد يصير مكروها أو محرما إذا شغل عن المستحب أو الواجب، قال د.عبد الله الفوزان في شرح الورقات: المباح
…وهو لغة: المعلن والمأذون فيه، يقال: باح فلان بسره: أظهره، وأباح الرجل ماله: أذن في الأخذ والترك، واستباح الناس العشب: أقدموا على رعيه.
…واصطلاحاً: ما لا يتعلق به أمر ولا نهي لذاته كالاغتسال للتبرد، والمباشرة ليالي الصيام، …وخرج بالقيد الثالث وهو (لذاته) ما إذا كان المباح وسيلة لمأمور به، فإنه يتعلق به أمر لكن لا لذات المباح، بل لكونه صار وسيلة، أو كان المباح وسيلة لمنهي عنه فإنه يتعلق به نهي، لكن لا لذاته وإنما لكونه صار وسيلة.
ومثال الأول: الأكل فهو مباح في الأصل لكن لو توقف عليه بقاء الحياة صار مأموراً به لما تقدم، ومثال الثاني: أكل الفاكهة ـ مثلاً ـ فهو مباح لكن لو أدى إلى تفويت صلاة الجماعة في المسجد صار منهياً عنه كما تقدم...
وأما حكم المباح فهو -كما ذكر المصنف- لا ثواب في فعله ولا عقاب في تركه، وهذا مذهب جمهور الأصوليين، والمراد بذلك المباح الباقي على وصف الإباحة، أما المباح الذي يكون وسيلة لمأمور به أو منهي عنه فهذا حكمه حكم ما كان وسيلة إليه كما ذكرنا. انتهى.
والأولى المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها؛ كما بينا بالفتوى رقم: 29747، والفتوى رقم: 233926.
ويلزمك أن تصلي في جماعة؛ ومذهب الجمهور ـ وهو المفتى به عندنا ـ أن الجماعة لا يجب فعلها في المسجد، بل يسقط وجوبها بفعلها في أي مكان؛ كما أوضحناه في الفتوى رقم: 128394.
ومع هذا ففضل شهود الصلاة في المساجد فضل عظيم؛ كما بينا بالفتويين التالية أرقامهما: 150541، 151661.
فلا ينبغي الاشتغال بشيئ عن الصلاة؛ قال أبو داود: كان إبراهيم الصائغ رجلا صالحا... وكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء ( يعني للصلاة ) سيبها. جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود: ...(إذا رفع المطرقة ) بكسر الميم آلة من حديد ونحوه يضرب بها الحديد ونحوه ( فسمع ) إبراهيم ( النداء ) أي الأذان للصلاة ( سيبها ) أي ترك إبراهيم المطرقة تهيؤا للصلاة، وهذا ثناء من المؤلف لإبراهيم من أن عمله كان لا يشغله عن ذكر الله تعالى، بل لما سمع الأذان ترك العمل بالمطرقة. انتهى.
يستثنى من ذلك التوق إلى الطعام، فالأولى للتائق إلى الطعام الحاضر أن يأكل ثم يصلي، كما بينا بالفتوى رقم:74790.
ونرجو إرسال باقي أسئلتك في سؤال مستقل حتى يتسنى الجواب عنه.
والله أعلم.