السؤال
أنا طالب طب، عملت معصية ظاهرة، ورآني أحد الناس.
المشكلة: بقيت قلقًا لأن سيرتي ستكون غير جيدة بين الناس، وبالتالي؛ لن أستطيع إفادة الناس بعلمي، وبذلك لن يكون هناك فائدة من الاستمرار في التعلم! أعلم أن المحبة من الله، لكن تأتيني فكرة "سيجعل لهم الرحمن ودا" بدون الأخذ بأسباب التودد، أم لا بد من الأخذ بالأسباب؟ ومن ضمن الأسباب: أن أذهب أمام من رآني وأتخذه صديقًا حتى يعلم أني تبت، ثم يكتب الله لي المحبة بعد الأخذ بالسبب.
مثلًا: وعد الله المستغفرين بالمال والبنين، فهل يلزم الاستغفار فقط للحصول على المال؟ بالطبع لا، هذا هو الالتباس عندي!
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على العبد إذا عمل معصية أن يكون أول همه وأكبره تحصيل التوبة، والندم على مبارزة الله بالقبيح، لا نظر العباد إليه، وإذا تاب العبد توبة نصوحًا، واتقى الله، جعل الله له مخرجًا.
والناس سرعان ما ينسون فلا تقلق، ولو ضاق الأمر جدًّا -وما نظنه كذلك تمامًا-، فيمكنك الانتقال إلى بلدة أخرى.
والأمر كما ذكرت؛ المحبة من الله، والأمر له أسباب، وأعلاها الإيمان؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96].
قال ابن كثير: قال سعيد بن جبير، عنه: يحبهم ويحببهم، يعني: إلى خلقه المؤمنين. كما قال مجاهد أيضًا، والضحاك، وغيرهم. وقال العوفي، عن ابن عباس أيضًا: الود من المسلمين في الدنيا، والرزق الحسن، واللسان الصادق. وقال قتادة: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} إي والله، في قلوب أهل الإيمان، ذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم. وقال قتادة: وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يقول: ما من عبد يعمل خيرًا أو شرًّا، إلا كساه الله -عز وجل- رداء عمله.
عن الحسن البصري -رحمه الله- قال: قال رجل: والله لأعبدن الله عبادة أذكر بها، فكان لا يرى في حين صلاة إلا قائما يصلي، وكان أول داخل إلى المسجد وآخر خارج، فكان لا يعظم، فمكث بذلك سبعة أشهر، وكان لا يمر على قوم إلا قالوا: "انظروا إلى هذا المرائي" فأقبل على نفسه فقال: لا أراني أذكر إلا بشر، لأجعلن عملي كله لله -عز وجل- فلم يزد على أن قلب نيته، ولم يزد على العمل الذي كان يعمله، فكان يمر بعد بالقوم، فيقولون: رحم الله فلانًا الآن، وتلا الحسن: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا}. انتهى بتصرف.
ولا تحمل هم من رآك؛ فسرعان ما ينسى، ولا مانع أن تخبره أنك تبت إلى الله -إن كنت متيقنًا أنه رآك على معصية-، وليس هذا شرطًا، ولست بحاجة لمصاحبته ليعلم بتوبتك، لكن إن كان مؤمنًا فاحرص على صحبته؛ فقد روى أحمد، وأبو داود، والترمذي، عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي.
وأما الاستغفار وكونه سببًا للمال: فهو سبب، مرافق للأخذ بالأسباب؛ فإن الأخذ بأسباب الرزق واجبة حتى لا يلقي المرء بنفسه إلى التهلكة، وأما التوبة والإيمان: فهما سبب مختص كما أشرنا.
والذي نوصيك به أن يكون جميع همك التوبة ورضا الله، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 219520.
والله أعلم.