السؤال
كنت آخذ مالا من أهلي دون علمهم، وبعدها يشعرون بالنقصان في المال، وكنت أنكر أنني أخذته، وأعاود الكرة، كما أخذت من زوج أختي عندما سكن عندنا بالبيت لفترة بسبب سفر الأهل، ومن أخواتي، وكنت أنكر كل ذلك، وعلي ديون أعلم بعضها. وعندما كنت بالمدرسة كنت آخذ من أصدقائي أموالا، ولم أردها وأذكر منهم أشخاصا، ومن دكان المدرسة، فماذا أفعل؟ وما الحكم في ذلك؟ أريد التخلص من ذلك الذنب وأقبل الله وأنا خال من المعاصي، وأريد التوبة النصوح، ولكنني أشعر بعدم الطمأنينة مثلما كانت سابقا، وأنا دائم الخوف من الموت على المعصية، وأريد أن أتوب وأكفر عن كل ما صدر مني من ذنب وغيبة ونميمة.
مع العلم أنني غير موفق في دراستي، وبدأت أشعر أن ذلك نتيجة لأعمالي، كما أنني أتحدث مع فتاة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأريد هدايتها.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يوفقك لهداه، وهنيئا لك إقبال نفسك على التوبة، وأبشر بفضل الله وكرمه، فإن الله عز وجل من أسمائه التواب، وهو سبحانه يحب التائبين، كما قال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ {البقرة:222}
والله جل وعلا يفرح بعبده إذا تاب إليه، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح. أخرجه الشيخان، واللفظ لمسلم.
والعبد إذا تاب صادقا، فإن الله يغفر له ذنبه مهما كان عظيما، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.
بل إن الله بفضله وكرمه يبدل سيئات التائبين حسنات، كما قال سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}.
فعليك أن تحسن ظنك بالله، وأن تتضرع إليه سبحانه بأن يمن عليك بتوبة نصوح، واحذر اليأس من روح الله أو القنوط من رحمته، فإنها من كبائر الإثم، والتوبة تكون بالندم على ما سلف من الذنوب، والإقلاع الفوري عنها، والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل، وفي حقوق العباد يجب التحلل من أصحابها برد الحقوق إليهم أو بطلب العفو والسماح منهم. وللمزيد حول شروط التوبة وأحكامها راجع الفتويين رقم: 5450، ورقم: 111852.
فمن صدق توبتك أن تترك الذنوب جميعها، ومن ذلك: قطع علاقتك بتلك الفتاة، ولا تلتفت لخداع الشيطان أن تواصلك معها هو من أجل إصلاحها، فتلك حيلة يحتال بها عليك للمضي في المخالفة وعدم التوبة منها، وبالنسبة لما أخذته من أموال: فالواجب عليك ردها لأصحابها، أو طلب العفو والسماح منهم، فإن عجزت عن الوصول إليهم، فإنك تتصدق بتلك الحقوق عنهم، وإذا جهلت قدرها، فإنك تجتهد وتقدرها بما يغلب على ظنك براءة ذمتك به، جاء في المجموع للنووي: من ورث مالا ولم يعلم من أين كسبه مورثه أمن حلال أم حرام ولم تكن علامة فهو حلال بإجماع العلماء، فإن علم أن فيه حراما وشك في قدره أخرج قدر الحرام بالاجتهاد. اهـ.
ولا يشترط إخبار أصحاب الحقوق بتفاصيل ما صدر منك، بل الواجب إيصال حقهم إليهم بأي طريق، وكذلك طلب العفو منهم لا يشترط فيه إخبارهم بشخصك، فيمكن طلب العفو منهم مثلا بإرسال رسالة تخبرهم فيها بما فعلت دون تعريف بنفسك، فإن سامحوك بعدها فقد برئت ذمتك، كما بيناه في الفتوى رقم: 270721.
وبالنسبة لدراستك: فعليك أن تستعين بالله أولا، ثم تبذل وسعك واجتهادك في التحصيل والمذاكرة، ولعلك إن صدقت في التوبة يكون ذلك سببا لتوفيقك ونجاحك في دراستك، وراجع للمزيد الفتوى رقم: 250060.
وراجع للفائدة عن وسائل إصلاح القلب وتقوية الإيمان الفتوى رقم: 10800.
والله أعلم.