السؤال
ما هو فضل ومكانة ماء زمزم؟ ولماذا نؤمن أن ماء زمزم يشفي إن شُرب للشفاء مع أنه ماء والشافي هو الله؟.
ما هو فضل ومكانة ماء زمزم؟ ولماذا نؤمن أن ماء زمزم يشفي إن شُرب للشفاء مع أنه ماء والشافي هو الله؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا فضل ماء زمزم وبعض الأحاديث الواردة فيه، وأنه يشرب للشفاء والتبرك ولقضاء الحاجات، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 102021، 3491، 8709.
وأما عن إيماننا بأن ماء زمزم يشفي إن شُرب للشفاء مع أن الشافي هو الله تعالى: فالجواب عليه أن الله هو الشافي فعلا ولا شافي إلا هو، ولكنه جعل زمزم سببا للشفاء، كما دلت عليه الأحاديث، وقد ذكر أهل العلم أن مباشرة الأسباب الشرعية مع اعتقاد كون تأثيرها ونفعها من الله لا حرج فيه، بل هو الموافق للصواب ولا ينافي التوكل على الله تعالى ولا توحيده، فالتداوي بما علم نفعه من الأدوية مشروع مثل سائر الأسباب الكسبية المجربة، كما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعاً: ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء.
وعن أسامة بن شريك قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: نعم، يا عباد الله تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهرم. رواه أحمد.
قال ابن القيم: تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، وإبطال قول من أنكرها، والأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، وأن تعطيلها يقدح بمباشرته في نفس التوكل كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى من التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلاً للأمر والحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً، ولا توكله عجزاً. اهـ.
وقال ابن حجر في فتح الباري: التداوي لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب، وكذلك تجنب المهلكات، والدعاء بطلب العافية، ودفع المضار وغير ذلك. اهـ.
وقال في موضع آخر: الحق أن من وثق بالله، وأيقن أن قضاءه عليه ماض، لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب اتباعا لسنته، وسنة رسوله.. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في القول المفيد: أقسام التعلق بغير الله: الأول: ما ينافي التوحيد من أصله، وهو أن يتعلق بشيء لا يمكن أن يكون له تأثير، ويعتمد عليه اعتمادًا معرضًا عن الله، مثل تعلق عباد القبور بمن فيها عند حلول المصائب، ولهذا إذا مستهم الضراء الشديدة يقولون: يا فلان! أنقذنا، فهذا لا شك أنه شرك أكبر مخرج من الملة، الثاني: ما ينافي كمال التوحيد، وهو أن يعتمد على سبب شرعي صحيح، مع الغفلة عن المسبب، وهو الله عز وجل، وعدم صرف قلبه إليه، فهذا نوع من الشرك، ولا نقول شرك أكبر، لأن هذا السبب جعله الله سببًا، الثالث: أن يتعلق بالسبب تعلقًا مجردًا لكونه سببًا فقط، مع اعتماده الأصلي على الله، فيعتقد أن هذا السبب من الله، وأن الله لو شاء لأبطل أثره، ولو شاء لأبقاه، وأنه لا أثر للسبب إلا بمشيئة الله عز وجل، فهذا لا ينافي التوحيد، لا كمالًا ولا أصلًا، وعلى هذا لا إثم فيه ومع وجود الأسباب الشرعية الصحيحة، ينبغي للإنسان أن لا يعلق نفسه بالسبب، بل يعلقها بالله، فالموظف الذي يتعلق قلبه بمرتبه تعلقًا كاملًا، مع الغفلة عن المسبب، وهو الله، قد وقع في نوع من الشرك، أما إذا اعتقد أن المرتب سبب والمسبب هو الله سبحانه وتعالى، وجعل الاعتماد على الله، وهو يشعر أن المرتب سبب، فهذا لا ينافي التوكل، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأسباب مع اعتماده على المسبب، وهو الله عز وجل. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني