السؤال
ما هي أصول البدع التي يبني عليها أهل البدع بدعهم؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأصول البدع التي يبني عليها أهل البدع بدعهم هي علاماتهم الجامعة التي يشتركون فيها، وقد ذكرها غير واحد من أهل العلم في كتبهم متفرقة، وقد جمع طرفا منها الدكتور إبراهيم الرحيلي في أطروحته للدكتوراه: (موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع)، فعدّ منها:
1- الفرقة:
وقد أخبر الله تعالى عنها بقوله: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ {الأنعام:159}. قال ابن كثير في تفسيره: الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفًا له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه { وَكَانُوا شِيَعًا } أي: فرقًا كأهل الملل والنحل ـ وهي الأهواء والضلالات ـ فالله قد بَرَّأ رسوله مما هم فيه. انتهى. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية مؤكدا أن شعار فِرق أهل البدع هو التفرق: ولهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة والجماعة وهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم، وأما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء ولا تبلغ الفرقة من هؤلاء قريبا من مبلغ الفرقة الناجية فضلا عن أن تكون بقدرها بل قد تكون الفرقة منها في غاية القلة، وشعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسنة والإجماع. انتهى.
2- اتباع الهوى:
وهي أبرز صفاتهم، قال الله تعالى في وصفهم: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ {الجاثية:23}، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن لزوم اتباع الهوى لأهل البدع، وأنه لا ينفك عنهم بحال في حديث افتراق الأمة حيث قال: إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني الأهواء - كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلَب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله. رواه أحمد وأبو داود والدارمي وغيرهم وصححه الألباني.
3- اتباع المتشابه:
وقد أخبر الله عن اتصافهم بذلك في قوله: .. فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ {آل عمران:7}.
روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ. ورواه مسلم أيضا.
4- معارضة السنة بالقرآن:
ومن علامات أهل البدع معارضة السنة بالقرآن، ودعوى الاكتفاء بالقرآن عن السنة في التشريع كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ليوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرّم رسول الله فهو مثل ما حرّم الله. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي وصححه الألباني.
5- بغض أهل الأثر:
من علامات أهل البدع بغض أهل الحديث والأثر والوقيعة فيهم: فعن أحمد بن سنان القطان أنه قال: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث. وقال أبو حاتم الرازي: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر.
6- إطلاق الألقاب على أهل السنة:
من علامات أهل البدع التي نص عليها العلماء إطلاق الألقاب على أهل السنة بقصد انتقاصهم، قال أبو حاتم الرازي:علامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة، وعلامة القدرية تسميتهم أهل الأثر مجبرة، وعلامة المرجئة: تسميتهم أهل السنة مخالفة ونقصانية، وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل السنة ناصبة، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء.
ويقول الشيخ إسماعيل الصابوني ـ في عقيدة السلف وأصحاب الحديث ـ: وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار الني صلى الله عليه وسلم، واحتقارهم لهم وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة، اعتقادا منهم في أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أنها بمعزل عن العلم، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتاج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة... انتهى.
7- ترك انتحال مذهب السلف:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالمقصود هنا: أن المشهورين من الطوائف ـ بين أهل السنة والجماعة ـ العامة بالبدعة ليسوا منتحلين للسلف بل أشهر الطوائف بالبدعة: الرافضة حتى إن العامة لا تعرف من شعائر البدع إلا الرفض والسني في اصطلاحهم: من لا يكون رافضيا، وذلك لأنهم أكثر مخالفة للأحاديث النبوية ولمعاني القرآن، وأكثر قدحا في سلف الأمة وأئمتها، وطعنا في جمهور الأمة من جميع الطوائف، فلما كانوا أبعد عن متابعة السلف كانوا أشهر بالبدعة. اهـ
فعلم أن شعار أهل البدع: هو ترك انتحال اتباع السلف. ولهذا قال الإمام أحمد في رسالة عبدوس بن مالك: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ
8- تكفير مخالفيهم بغير دليل:
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في الرد على مَن قال بتكفير المتأولين: وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُعَرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ، الَّذِينَ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةً وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ، كَالْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ. انتهى باختصار.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني