الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحيل المشروعة والحيل المحرمة

السؤال

وضحوا كيفية التوفيق بين النهي عن الحيل والمكر والخديعة الوارد في الأحاديث وبين حيلة يوسف عليه السلام؛ لأن الكثير يحتجون بها.
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحيلة التي فعلها يوسف عليه السلام إنما هي حيلة في الوصول إلى أمر مشروع ؛ كما بينا بالفتويين التالية أرقامهما: 121716، 74667.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين بعد أن توسع في بيان تحريم الحيل ـ: وَحِيَلُ هَذَا الْبَابِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: حِيلَةٌ عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ وَالْمَكْرِ حَتَّى لَا يَقَعَ، وَحِيلَةٌ عَلَى رَفْعِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَحِيلَةٌ عَلَى مُقَابَلَتِهِ بِمِثْلِهِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ؛ فَالنَّوْعَانِ الْأَوَّلَانِ جَائِزَانِ، وَفِي الثَّالِثِ تَفْصِيلٌ، فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا بِالْمَنْعِ مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ إنْ كَانَ الْمُتَحَيَّلُ بِهِ حَرَامًا لِحَقِّ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ مُقَابَلَتُهُ بِمِثْلِهِ، كَمَا لَوْ جَرَّعَهُ الْخَمْرَ أَوْ زَنَى بِحُرْمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا؛ لِكَوْنِهِ ظُلْمًا لَهُ فِي مَالِهِ، وَقَدَرَ عَلَى ظُلْمِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الظَّفَرِ. انتهى.

وأما الحيل المذمومة فهي الحيل للوصول إلى محرم؛ ففي الحديث: لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل. رواه ابن بطة وحسنه ابن تيمية.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين تعليقا على حديث النية: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي هَذَا فِي الْحَدِيثِ بُطْلَانُ كُلِّ حِيلَةٍ يَحْتَالُ بِهَا الْمُتَوَسِّلُ إلَى الْمُحَرَّمِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِتَغَيُّرِ هَيْئَتِهِ وَتَبْدِيلِ اسْمِهِ. انتهى.

وأما النهي عن الخديعة والمكر؛ فهو مقيد، جاء في فيض القدير: قال الراغب: والمكر والخديعة متقاربان وهما اسمان لكل فعل يقصد فاعله في باطنه خلاف ما يقتضيه ظاهره وذلك ضربان: أحدهما مذموم وهو الأشهر عند الناس والأكثر، وذلك أن يقصد فاعله إنزال مكروه بالمخدوع، وإياه قصد المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، ومعناه يؤديان بقاصدهما إلى النار، والثاني بعكسه وهو أن يقصد فاعلهما إلى استجرار المخدوع والممكور به إلى مصلحة بهما كما يفعل بالصبي إذا امتنع من فعل خير، وقال الحكماء: المكر والخديعة يحتاج إليهما في هذا العالم لأن السفيه يميل إلى الباطل، ولا يقبل الحق لمنافاته لطبعه، فيحتاج أن يخدع عن باطله بزخارف مموهة؛ كخديعة الصبي عن الثدي عند الفطام، ولهذا قيل مخرق فإن الدنيا مخاريق، وسفسط فإن الدنيا سفسطة، وليس ذا حثا على تعاطي الخبث بل على جذب الناس إلى الخير بالاحتيال، ولكون المكر والخديعة ضربان سيئ وحسن قال تعالى: {والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور} {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} ووصف نفسه بالمكر الحسن فقال {والله خير الماكرين}. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني