السؤال
أريد أن أفهم معنى عبارة قرأتها في كتاب روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للألوسي في تفسير الآية الرابعة من سورة الطلاق بعد أن ذكر سبب نزول الآية قال: (ويعلم مما ذكر أن الشرط هنا لا مفهوم له عند القائلين بالمفهوم؛ لأنه بيان للواقعة التي نزل فيها من غير قصد للتقييد).
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في تفسير روح المعاني للآلوسي في تفسير قوله تعالى : وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}
قال : إِنِ ارْتَبْتُمْ أي إن شككتم وترددتم في عدتهن، أو إن جهلتم عدتهن فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه، وجماعة عن أبي بن كعب أن ناسا من أهل المدينة لما نزلت هذه الآية التي في البقرة في عدة النساء قالوا: لقد بقي من عدة النساء عدد لم تذكر في القرآن الصغار والكبار اللاتي قد انقطع عنهن الحيض وذوات الحمل، فأنزل الله تعالى في سورة النساء القصرى وَاللَّائِي يَئِسْنَ الآية، وفي رواية أن قوما منهم أبي بن كعب وخلاد بن النعمان لما سمعوا قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة: 228] قالوا: يا رسول الله فما عدة من لا قرء لها من صغر أو كبر؟ فنزل وَاللَّائِي يَئِسْنَ إلخ، فقال قائل: فما عدة الحامل؟ فنزل وَأُولاتُ الْأَحْمالِ إلخ، ويعلم مما ذكر أن الشرط هنا لا مفهوم له عند القائلين بالمفهوم لأنه بيان للواقعة التي نزل فيها من غير قصد للتقييد. اهـ.
فظاهر أن مراده بالشرط هو قوله تعالى: (إِنِ ارْتَبْتُمْ) {الطلاق:4}، ومقصوده بكلامه: أن قوله تعالى: (إِنِ ارْتَبْتُمْ ){الطلاق:4} ليس له مفهوم مخالفة فلا يفهم منه أنه في حال عدم الارتياب تختلف العدة، فليس المعنى هو: أن عدة اليائسات من المحيض ثلاثة أشهر في حال إن ارتبتم في عدتهن فحسب! بل عدتهن ثلاثة أشهر سواء حصل الارتياب أم لا.
لأن قوله : (إن ارتبتم ) جاء لبيان للواقعة، وهي سؤال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث كانوا مرتابين في عدة اليائسات من المحيض.
ومن المقرر في علم الأصول أن من موانع اعتبار مفهوم المخالفة ـ عند الجمهور القائلين به ـ موافقة الواقع.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسير قوله تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ {المؤمنون:117}: وقد تقرر في فن الأصول أن من موانع اعتبار مفهوم المخالفة، كون تخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع فيرد النص ذاكرا لوصف الموافق للواقع ليطبق عليه الحكم، فتخصيصه بالذكر إذا ليس لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق، بل لتخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع، ومن أمثلته في القرآن هذه الآية; لأن قوله: لا برهان له به وصف مطابق للواقع; لأنهم يدعون معه غيره بلا برهان، فذكر الوصف لموافقته الواقع، لا لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق، ومن أمثلته في القرآن أيضا قوله تعالى: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين [3 28]; لأنه نزل في قوم والوا اليهود دون المؤمنين، فقوله من دون المؤمنين ذكر لموافقته للواقع لا لإخراج المفهوم، عن حكم المنطوق ومعلوم أن اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء ممنوع على كل حال، وإلى هذا أشار في مراقي السعود في ذكره موانع اعتبار مفهوم المخالفة بقوله:
أو امتنان أو وفاق الواقع والجهل والتأكيد عند السامع. اهـ. من أضواء البيان .
والله أعلم.