السؤال
أنا فتاة متزوجة، وفي إحدى المرات طلقني زوجي هازلًا، ولا أذكر هل قال لي: "أنت طالق أنت طالق أنت طالق" أم قال: "طالق طالق طالق"، وفي المرة الثانية مازحني وقال: "أنت طالق"، وبعد فترة حدثت بينه وبيني مشادة كلامية، وقال: "أنت طالق" وأنا حائض، فهل تقع الطلقات الثلاث؟ وماذا أفعل؛ هل أترك المنزل أم أبقى في عصمته؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالطلاق من المسائل التي يستوي فيها الجد والهزل، ومن ثم؛ فإذا تلفظ الزوج بصريح الطلاق لزوجته، كأن يقول لها: "أنت طالق" فهو نافذ، ولو كان لا ينوي إيقاعه؛ قال ابن قدامة في المغني: قد ذكرنا أن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية، بل يقع من غير قصد، ولا خلاف في ذلك، ولأن ما يعتبر له القول يكتفى فيه به من غير نية إذا كان صريحًا فيه، كالبيع، وسواء قصد المزاح، أو الجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم، على أن جد الطلاق، وهزله سواء. اهـ.
وعلى هذا؛ فإن الطلاق بالثلاث قد تم وحصلت البينونة الكبرى من زوجك عند قوله لك: "طالق طالق طالق" إذا قصد من ذلك التأسيس، ولم يقصد التأكيد؛ لأن طلاق الثلاث في مجلس واحد يقع ثلاثًا عند جمهور أهل العلم، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة، ومن ثم فإن طلاقه بعد ذلك لم يصادف محلًّا، وذهب بعض أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن طلاق الثلاث في مجلس واحد يقع طلقة واحدة، وأن الطلاق في الحيض لا يقع، وانظري الفتوى رقم: 54257، والفتوى رقم: 8507.
والخلاصة: أنك -على مذهب جمهور أهل العلم- قد وقع عليك الطلاق ثلاثًا، ولا تحلين لزوجك إلا بعد أن تنكحي زوجًا غيره -نكاح رغبة لا تحليل-؛ لأنه إذا كان قصد بقوله: "طالق طالق طالق" التأسيس فقد بِنت بذلك، وانتهى الأمر، وإذا كان قصد التأكيد، فتحسب عليه طلقة، يضاف إليها طلاقه بعد ذلك مازحًا، ثم الطلاق الأخير في الحيض؛ فتكون ثلاث طلقات.
وأما على قول شيخ الإسلام ومن معه: فقد بقيت لك طلقة؛ لأن الطلاق في الحيض لا يحسب عندهم، وطلاق الثلاث في مجلس يحسب عندهم طلقة واحدة؛ فتكون النتيجة طلقتين.
وعليه؛ يمكن لزوجك مراجعتك قبل انتهاء العدة، وأما بعد انتهائها فلا بد من عقد جديد مستوف كل الشروط.
وأما حكم بقائك في منزله، والسكن معه: فينبني على ما تقدم، فإن كانت البينونة قد حصلت -كما هو مذهب الجمهور- فإن السكن في منزله لا يجوز إلا بشروط بيناها في الفتوى رقم: 65103.
وإن كانت البينونة لم تحصل -بناء على القول الآخر- وكنت ما زلت في العدة؛ فإن لك أن تسكني في منزله، بل إن ذلك هو واجبك حتى تنقضي العدة، لقول الله تعالى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ {الطلاق:1}.
وننصح بمراجعة المحاكم الشرعية في بلدكم.
وننبه إلى أنه من الخطورة بمكان أن يتساهل الأزواج في الطلاق، أو يجعلوه محلًّا للهزل واللعب، وقد قال الله تعالى في معرض آيات الطلاق: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ... الآية {البقرة:231}.
والله أعلم.