السؤال
أنا رجل متزوج، ولدي أطفال صغار، جلبت الحليب في كيس اعتيادي لحاجة الأطفال له بشكل مستمر، وبعد يوم كانت مادة الحليب قريبة على الانتهاء، وكانت زوجتي قد استخدمتها في حاجات ثانوية، ونحن في حالة حصار لا يعلمها إلا الله، وسعره لدينا مرتفع، فحصلت مشادة كلامية بيني وبين زوجتي، وفي ساعة غضب قلت لها: أنت طالق بالثلاث إذا انتهى كيس الحليب هذا وجلبت لك غيره، وسؤالي هو:
1- ما الحكم الشرعي فيما قلت؟ وهل إذا تحقق ما قلت تعتبر زوجتي بائنة مني بينونة كبرى؟ علمًا أنها حامل في شهرها الثامن.
2- إذا كان جواب الشطر الأول بنعم، ولا يمكن أن يتحقق، فهل يجوز لزوجتي أن تشتري الحليب بنفسها، سواء من مالها الخاص أم من مالي؟ علمًا أننا -كما أسلفت- لدينا أطفال، ونحتاجه بصورة دائمة.
أفيدوني -جزاكم الله كل خير-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فما دمت قد علقت طلاق زوجتك بالثلاث على انتهاء ذلك الحليب وجلب غيره، فإنه إذا وقع ما علقت الطلاق عليه طلقت زوجتك منك ثلاثًا في قول جمهور أهل العلم، وكونك غاضبًا لا يمنع وقوع الطلاق، وانظر الفتوى رقم: 290284، عن حكم طلاق الثلاث المعلق، والفتوى رقم: 219106، عن حكم طلاق الثلاث أثناء الغضب.
ولا يمنع من وقوع الطلاق أيضًا كون زوجتك حاملًا؛ لأن طلاق الحامل جائز، وليس محرمًا كطلاق الحائض، جاء في الموسوعة الفقهية: يَصِحُّ طَلاَقُ الْحَامِل رَجْعِيًّا، وَبَائِنًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. اهـ.
وأما هل لو اشترتْ هي الحليب يقع الطلاق أو لا: فهذا مرده إلى نيتك حين تلفظت بالطلاق، فإن نويت تعليق الطلاق على شرائك أنت للحليب دونها لم يقع الطلاق إن اشترته هي، وإن علقته على مطلق الشراء، ولم تقصد حصره وقع الطلاق بشرائها، فإن لم تعرف نيتك، فالمرد إلى السبب الذي حملك على تعليق الطلاق يبين ذلك، وهو ما يسميه الفقهاء بساط اليمين، أو السبب الذي هيجها، قال ابن قدامة في المغني: فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، رُجِعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ، وَمَا هَيَّجَهَا، وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا عَدِمَتْ النِّيَّةُ، نَظَرْنَا فِي سَبَبِ الْيَمِينِ، وَمَا أَثَارَهَا؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَى النِّيَّةِ. اهـ.
وقال ابن عبد البر في الكافي: الأصل في هذا الباب مراعاة ما نوى الحالف، فإن لم تكن له نية نظر في بساط قصته، وما أثاره على الحلف، ثم حُكم عليه بالأغلب من ذلك في نفوس أهل وقته. اهـ.
وبساط اليمين يجري في جميع الأيمان، سواء كانت بالله تعالى أم بطلاق.
وإننا ننصح السائل بتقوى الله تعالى، والحذر من التلفظ بألفاظ لطلاق ـ وأن لا يجعل الطلاق سلاحًا يشهره في وجه زوجته عند أدنى خلاف، فإنه قد تتشتت الأسرة، وعندها يندم حيث لا ينفع الندم، ويصدق عليه قول الشاعر:
نَدِمْتُ نَدَامَةَ الكُسَعِّي لمَّا * غَدَتْ مِنِّي مُطَلَّقَةً نَوَارُ
وكانَتْ جَنَّتِي فَخَرَجْتُ منها * كآدَمَ حِيْنَ أخْرَجَهُ الضِّرَارُ
وَلَوْ أنِّي مَلكَتُ يَدِي وَنَفْسِي * لَكَانَ إِلَيَّ لِلْقَدَرِ الخِيَارُ .
والله تعالى أعلم.