السؤال
قرأت في سير أعلام النبلاء عن الأعمش -رحمه الله- فوجدت الذهبي يروي عن (مالك) أنه خرج يتنزه، فنزل المطر، فرفع رأسه إلى السماء وقال: لئن لم تنته لأوذينك، فأمسك. فلما سئل قال: لا أترك أحدًا يوحده إلا قتلته. فعلمت أن الله يحفظ عبده المؤمن.
وأنا في أشد حالات النكير لهذا.
الرجاء التوضيح، وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم بداهة لكل عاقل أن الكلام الوارد في هذه الحكاية من أغلظ الكفر، وأنه لا يمكن أن يصدر إلا من أعظم الناس كفرًا وإلحادًا. فيستحيل أن يتفوه به مسلم من أفجر الناس، فضلًا عن إمام من أئمة المسلمين كمالك بن أنس -رحمه الله-.
ولفظ الحكاية في سير أعلام النبلاء: عن الأعمش، قال: خرج مالك إلى متنزه له، فمطرت السماء، فرفع رأسه، فقال: لئن لم تكف لأوذينك. قال: فأمسك المطر. فقيل له: أي شيء أردت أن تصنع؟ قال: أن لا أدع من يوحده إلا قتلته. فعلمت أن الله يحفظ عبده المؤمن. اهـ.
فأين في هذه الحكاية أن مالكًا هو مالك بن أنس؟ وهل ليس في الدنيا مالك إلا الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-؟!، فلا ندري لم أبعدت النجعة؟ وما الذي ذهب بوهلك إلى أن مالكًا المذكور هو الإمام مالك بن أنس؟!
فالمقصود بـ (مالك) أي: ملك من الملوك؛ فقد أسند الحكاية ابن الجعد في مسنده بلفظ: خرج ملك من الملوك إلى متنزه ... وبهذا اللفظ أيضًا رواه أبو نعيم في الحلية من طريق ابن الجعد.
فقد يكون "مالك" عبارة تصحيف لملك، لأن الذهبي قد روى الحكاية في سيره من طريق ابن الجعد أصلًا.
ومن المعلوم كذلك أن الإمام الأعمش متقدم الطبقة على الإمام مالك بن أنس أصلًا، فلا يتأتى أن يروي عنه، بل المفترض هو العكس، وإن كان الواقع أنه لم يرو أحدهما عن الآخر شيئًا -فيما نعلم-.
والمقصود من هذه الحكاية: هو بيان حفظ الله لأوليائه، ومكانته عندهم سبحانه، ومن طريقة كثير من السلف التساهل في نقل مثل هذه الحكايات في باب المواعظ والرقائق.
والله أعلم.