الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من علامات عدم رضا الله على العبد بُعده عن النوافل؟

السؤال

أحب التقرب إلى الله -والحمد لله- ولكن دائمًا ما يصعب تأدية النوافل مثل صيام يوم عرفة، وعاشوراء، فهل من علامات عدم رضا الله على العبد بُعده عن النوافل؟ فأنا دائمًا ما أجد الظروف تمنعني من تأدية العبادة التي أحبها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن علامة الخير أن يحب العبد الطاعة، ويرغب في التقرب إلى الله تعالى، ثم ينبغي للعبد أن يبذل وسعه، ويستفرغ جهده في فعل ما يحبه الله، ويرضاه، وليعلم أن التلذذ بالعبادة، وتيسر فعلها لا يكون إلا بعد تحمل المشاق، وتكبد عناء المجاهدة، ومتى ما جاهد العبد نفسه صادقًا في فعل هذه العبادات، تحولت مشقتها إلى لذة، وعناؤها إلى راحة، على ما هو مبين في الفتوى رقم: 139680.

وليعلم كذلك أن الله يرضى عن العبد إذا فعل ما أوجبه عليه، وترك ما حرمه عليه، فإذا فعلت الواجبات، وتركت المحرمات كان ذلك سببًا في رضا الله عنك.

وأما الاشتغال بالنوافل، فهو مستحب، ينال به العبد كمال الثواب، وتمام رضا الله سبحانه.

وليس تعذر فعل النوافل على العبد أحيانًا علامة على عدم رضا الله عنه، ما دام فاعلًا للواجبات، تاركًا للمحرمات.

وإذا اعتاد العبد عبادة معينة، ثم حال بينه وبين فعلها أمر خارج عن إرادته -كمرض، أو سفر- كتب الله له أجر هذه العبادة؛ تفضلًا منه، وامتنانًا، كما في الصحيح من حديث أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مرض العبد، أو سافر كتب الله له ما كان يعمل، وهو صحيح مقيم.

وليس حصول العذر المانع من العبادة -كالحيض، ونحوه- علامة على أن الله لا يحب العبد، أو لا يرضى عنه، بل على المسلم أن يستسلم لحكم الله تعالى، وأن يعلم أنه مأجور بنيته الصالحة، وأن الله تعالى متى اطلع من قلبه على الصدق، والرغبة الحقيقية في تأدية تلك العبادة، فلن يضيع أجره، ولن يذهب ثواب نيته، كما قال تعالى: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا {الكهف:30}، وفي حديث أبي كبشة الأنماري ـ رضي الله عنه ـ عند الترمذي، وغيره، قال صلى الله عليه وسلم: وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ:

عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً، وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ.

وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ.

وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ.

وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً، وَلاَ عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، فدل على أن من نوى الخير كتب الله له الأجر بنيته، والله تعالى ذو الفضل العظيم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني