السؤال
دخلت في الابتدائية تحفيظ القرآن، وحفظت نصف القرآن. بعدها دخلت المتوسط، لكن لم يكن يوجد تحفيظ، ونسيت ما حفظته. فقال لي عمي إن من يحفظ القرآن وينساه، لن يدخل الجنة؛ لأن القرآن سيقف حاجزا بينه وبين الجنة. فأصبحت كل يوم أفكر إذا مت، أين سأذهب؟ فبعد ذلك عاهدت، على أن أحفظ القرآن كاملا؛ لكيلا أدخل النار.وإذا بي أرى أن حكم من نسي القرآن، أنه لا شيء عليه! وأنا قد صدقت الذي عمي قال لي إن عليه شيئا. فهل ربي سيؤاخذني بتعهدي بحفظ القرآن؟ ومتى يكون القرآن حاجزا بيني وبين الجنة؟ وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن نسيان القرآن بعد حفظه، تفريط في النعمة، وكفران لها، وهو أمر مذموم بلا شك، بل من العلماء من عده من الكبائر، كما أشرنا في الفتوى رقم: 19564.
إلا أن الأخطر منه هو ترك العمل به، والإعراض عنه؛ فإنه سبب لدخول النار -والعياذ بالله- كما جاءت الإشارة إلى ذلك، في الآية الكريمة: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124}، وكذلك في الحديث الذي رواه ابن حبان وغيره، وصححه الألباني، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره، ساقه إلى النار.
جاء في تفسير ابن كثير عند قول الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124}.
قال: ومن أعرض عن ذكري: أي خالف أمري، وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه، وأخذ من غيره هداه، فإن له معيشة ضنكاً، أي ضنكا في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج؛ لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة، وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة...
وقوله: نحشره يوم القيامة أعمى، قال مجاهد، وأبو صالح، والسدي: لا حجة له، وقال عكرمة: عمي عليه كل شيء إلا جهنم، ويحتمل أن يكون المراد أنه يبعث، أو يحشر إلى النار أعمى البصر، والبصيرة أيضاً. اهـ
وقال المناوي في فيض القدير: ..القرآن شافع مشفع، وماحل مُصدَّق) بالبناء للمجهول (من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقة إلى النار) لأنه القانون الذي تستند إليه السنة، والإجماع، والقياس فمن لم يجعله إمامه، فقد بنى على غير أساس، فانهار به في نار جهنم، وقال الزمخشري: الماحل الساعي، وهو من المحال، وفيه مطاولة وإفراط من التماحل، ومنه المحل، وهو القحط المتطاول الشديد، يعني من اتبعه وعمل بما فيه، فهو شافع له، مقبول الشفاعة في العفو عن فرطاته، ومن ترك العمل به، نم على إساءته، وصدق عليه فيما يرفع من مساويه. اهـ.
وقال في الزاهر: معناه من شهد عليه القرآن بالتقصير والتضييع، فهو في النار، ويقال لا تجعل القرآن ماحلاً، أي شاهداً عليه. اهـ.
وبهذا يتبين أن القرآن كما يشفع في صاحبه حتى يدخله الجنة، فإنه كذلك يحول بينه وبين الجنة، ويسوقه إلى النار -عياذا بالله- إذا أعرض عنه ولم يعمل به.
وأما قولك: " فهل ربي سيؤاخذني بتعهدي بحفظ القرآن ؟ " فالجواب أنك إذا كنت عاهدت الله على حفظ القرآن، بصيغة فيها إضافة العهد إلى الله، مثل: أعاهد الله، أو عاهدت الله، فهذه العهد مختلف في حكمها، والذي نرجحه أنها -في مثل حالتك هذه- نذر ويمين، أي أنه يلزمك الوفاء بهذا العهد وحفظ القرآن، فإن عجزت عن ذلك عجزا تاما، فعليك كفارة يمين، وانظري أقوال العلماء حول هذا المسألة، في فتوانا رقم: 29746
وأما إن كنت قلت عهد علي أن أحفظ القرآن، أو ما شابه، فهذا ليس بنذر، بل هو إلى الوعد أقرب، ولا يلزم من عدم الوفاء به، شيء، كما سبق في الفتوى رقم: 207811، لكن ينبغي الوفاء به على كل حال؛ لأن الوفاء بالوعد من الأخلاق الفاضلة، التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها، لا سيما إن كان الوعد بطاعة الله عز وجل، وليست أي طاعة، إنها حفظ القرآن الكريم، الذي جاءت في فضله النصوص الكثيرة.
والله أعلم.