السؤال
لدي مشكلة أريد أن أطرحها عليكم، لا أدري كيف أبدأ! أمي كانت تتكلم بكلام غير لائق (حديث عن آخرين بسوء الفهم) وأبي يحاول أن يسكتها، لكن لم تُجْد تلك المحاولة، وأنا أيضا أحاول أن أفهمها أنها لا يمكن أن تتكلم بهذا الشكل؛ فتغضب أمي، وتبدأ بإلقاء سباب علينا، تقول: أنتم دائماً تدعون أنكم أكثر فهماً مني، ربما قد تُجرح من كلامي، ولا يعجبها، أو هناك تقصير ما مني، لكن أحاول أن أجتهد في إرضائها ما استطعت، أحياناً لا أتحمل فعلها هذا، وأبدي انزعاجي تجاهها من فعل، أو قول، وبعد فترة أندم على فعلتي هذه، وأقوم بالاعتذار لها. بين حين وآخر أخاف أن أخطئ في حقها، وكل ما تفعل أنها تسكت، وبعد هذا أحاول الابتعاد عن الخوض في أي موضوع؛ لئلا تكبر المشكلة.
السؤال: كيف يكون التصرف في مثل هذا الموقف -حقاً أنا في حيرة من أمري لا أدري ما أفعل- علما أن هذا الحدث لم يكن الأول؛ لذا أحاول ألا أجادل فيما تكلمت به أمي؛ لعلي لا أجرح قلبها، وأتركها وشأنها.
هل إذا تكلمت بما يجرح قلبها فقد دخلت في دائرة عقوق الوالدين؟
وهذا ما أخاف كثيراً، كل ما أريد أن تستمع، وتقبل الاستماع إلينا، ولا تدعي أننا نتدخل في شؤونها، وأرزق بالصبر والتحمل، وأكون بارا بوالدي.
رجاء أفيدونا، ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك مخاطبة أمّك بالأدب، والتوقير، والرفق؛ قال تعالى: " .. فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " الإسراء(23،24)
قال القرطبي -رحمه الله-: (وقل لهما قولا كريما ) أي لينا لطيفا مثل: يا أبتاه، ويا أمّاه من غير أن يسميهما، ويكنيهما. قال عطاء: وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته، إلا قوله: وقل لهما قولا كريما. ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب، للسيد الفظ الغليظ. الجامع لأحكام القرآن.
ولا يجوز لك أن تسيء إلى أمّك، أو تغلظ لها في الكلام، ولو فرض أنّها فعلت، أو قالت منكراً، فإنّ عليك نهيها عن المنكر برفق وأدب، من غير إغلاظ أو إساءة، فإن غضبت فلا تكثر عليها ودعها، فإنّ أمر الوالدين بالمعروف ونهيهما عن المنكر ليس كغيرهما.
قال ابن مفلح الحنبلي -رحمه الله-: قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى: يَأْمُرُ أَبَوَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: إذَا رَأَى أَبَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ، يُعَلِّمُهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ وَلَا إسَاءَةٍ، وَلَا يُغْلِظُ لَهُ فِي الْكَلَامِ وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَيْسَ الْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ. الآداب الشرعية.
ولمعرفة ضابط عقوق الوالدين، راجع الفتوى رقم: 76303.
والله أعلم.