السؤال
أنا شاب عمري 17 سنة، وقد انجذبت مؤخرا إلى علم مقارنة الأديان، ومشاهدة مناظراتها وعاهدت نفسي أن أحفظ القرآن وأتفقه في الشريعة ثم أتفقه في باقي الكتب السماوية حتى أكون داعية ومقارنا بين الأديان ـ بإذن الله ـ وهنالك أسئلة لا أجد لها إجابات من قبل الطرف الآخر، فالإيمان بها لا يكفي لإقناعهم، بل يجب أن تكون هنالك إجابات منطقية.. فأرجو أن تجيبوني إجابة مقنعة على هذا السؤال: لقد ذكر في القرآن أن السماوات والأرض يسعها كرسي الرحمن، وهنالك حديث لا أعلم صحته يقول إن السماوات والأرض كالحلقة في أرض واسعة بالنسبة للعرش، فكيف ينزل الله إلى السماء الأولى في ثلث الليل الأخير مع العلم أن السماوات والأرض أصغر من حجم عرشه؟ ثم إن الأرض مكورة مدحية، فإذا كان النهار في أوروبا فهذا يعني أننا في الليل، فثلث الليل دائم في الكرة الأرضية، وهذا يعني أن الله خلال 24 ساعة في السماء الأولى، فكيف أجيب عن ذلك؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا أولا نشكرك على همتك العالية في طلب العلم الشرعي والرغبة في تعلم مقارنة الأديان، وهذا في نفسه أمر حسن حتى يذب المسلم عن دينه أمام شبهات الأعداء، فنسأل الله عز وجل أن يحقق لك ذلك، وينبغي أن تصرف أولا همتك إلى تعلم العلم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليكن ذلك على يد شيخ يأخذ بيديك في هذا السبيل، ووفقا للأسس السليمة التي يتحقق بها المراد، وهنالك فتاوى ضمناها توجيهات لطلبة العلم، فراجع الفتاوى التالية أرقامها: 20215، 18607، 57232.
وبعد رسوخ القدم في العلم الشرعي يمكن السعي في أمر المقارنة بين الأديان فيكون المسلم قد حصن نفسه من أي شبهة يمكن أن تؤثر عليه وأمكنه الرد عليها، وبهذه المناسبة نلفت النظر إلى أن محاورة أهل الباطل ينبغي أن تراعى فيها أسس معينة ومنها ما ذكرنا من أمر العلم، إضافة إلى أن الأولى الاجتهاد في صرف المحاور إلى قضايا الإيمان الأساسية، فإذا استقرت في قلبه أمكنه التسليم لبعض الأمور الغيبية التي تقوم على التسليم لله عز وجل وتصديق خبره، وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 29347، ورقم: 78928.
ولا شك في عظمة الله بالنسبة لخلقه بما في ذلك السماوات والأرض والكرسي والعرش، ولكن نزول الله عز وجل من صفاته سبحانه الفعلية، وكيفية صفاته لا يمكن إدراكها، فالكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أنه لا يمكن إدراك كيفية ذاته كذلك لا يمكن أدراك كيفية صفاته، وإنما يأتي الإشكال من جهة تخيل الصفة التي في المخلوق وإسقاطها على صفات الخالق سبحانه، كما نبه على ذلك أهل العلم، وانظر في الجواب عن الشبهتين المسئول عنهما الفتويين رقم: 146963، ورقم: 193249.
وههنا أمر مهم فيما يتعلق بإقناع الكفار، فهذا أمر طيب لو أمكن تحقيقه، ولكنه قد لا يتحقق دائما، ولست مسؤولا عن إيمانهم من عدمه، وإنما عليك البيان، فإن الكفار قد طلبوا معجزات فرأوها بأعينهم ومع ذلك عاندوا وكابروا، قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ {القمر2:1}.
وهنالك أمور من الشرع لا يزال أهل الباطل يجادلون فيها، وهي موجبة للتسليم، كان المشركون في الجاهلية يجادلون المسلمين ويقولون: ما ذبح الله بسكين من ذهب ـ يعني الميتة ـ فهو حرام، وما تذبحون أنتم بسكين فهو حلال؟ فنزلت: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ {الأنعام:121}.
ومن هنا نؤكد على الحصافة عند محاورة أهل الباطل وجرهم إلى ما يدل على عظمة الله وفقا لأسس القرآن في مجادلة أهل الباطل، فإذا عظموه أمكنهم التسليم لأخباره.
والله أعلم.