السؤال
هناك شخص مدين لي بمبلغ مالي كبير، وعنده التزامات مالية أخرى عائلية، وأقساط بيت، وغير ذلك، وقد قرر أن يأخذ قرضا ربويا لسداد كل هذه الديون مرة واحدة، ويصبح مدينا للبنك فقط، ويقوم بالسدداد على أقساط، وقد حذرته شخصيا من أن ما سيفعله حرام، ولكنه يرى أن هذا هو الحل الوحيد.
سؤالي هنا: لو أنه رد إلي مالي من القرض الربوي. فهل يكون هذا المال حراما؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمدين الاقتراض بالربا لسداد الديون، فالربا محرم، لا يجوز، ما لم تلجئ إليه ضرورة معتبرة شرعا.
والضرورة كما قال أهل العلم: هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر، أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر، أو أذى بالنفس أو بالعضو ـ أي عضو من أعضاء النفس ـ أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال وتوابعها، ويتعين، أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه، ضمن قيود الشرع. انتهى من نظرية الضرورة الشرعية.
ثم إنه يسعه أن يبحث عن الوسائل المشروعة لدفع حاجته، وقضاء دينه، والربا لا خير فيه، والمستجير به كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولا ضرورة إليه مع وجود البدائل المشروعة، وعلى أصحاب الدين إنظاره إلى حين ميسرة، قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280}.
فإن أبى إلا الاقتراض بالربا، وأدى إليك مالك، فلا حرج عليك في قبوله؛ لتعلق حرمة القرض بذمة آخذه، لا بعين المال. فقد ذكر أهل العلم أن المال المحرم الذي يسدد الدائن به دينه، لا يخلو من أن يكون محرما لذاته، أو يكون محرما لكسبه. فإن كان محرما لذاته، كالمسروق والمغصوب فلا يحل لأحد قبضه منه حال علمه بذلك، بل يجب على من قبضه منه رده إلى صاحبه.
وإن كان المال محرماً لكسبه، كأن يكون قبضه جرَّاء عقد محرَّم كالربا، أو كان يعمل في مكان لا يحل له العمل فيه: فيكون إثمه على كاسبه، ويجوز لمن انتقل إليه هذا المال بطريق مباح أن ينتفع به، كمن يقبله سدادا لدين ونحو ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين في تفسيره لسورة البقرة: وأما الخبيث لكسبه، فمثل المأخوذ عن طريق الغش، أو عن طريق الربا، أو عن طريق الكذب، وما أشبه ذلك؛ وهذا محرم على مكتسبه، وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح. انتهى.
والله أعلم.