السؤال
سألتكم عن تغيير التوقيت الشمسي في دول الأردن، ولبنان، ومصر؛ فأجبتم أنها مصلحة عامة يبيحها الحاكم، أو السلطة، أو لمصلحة الناس. ولم يكن هذا سؤالي يا حضرة الأفاضل -رضي الله عنكم- إنما أريد أن أفهم حكم الشرع في الصلاة، والصيام، اللذان يصبحان قبل، وبعد الأذان!
فالفجر سيصُلَّى قبل وقته، والمغرب كذلك، وسيُفطر الصائم قبل المغيب. فهل هذا جائز؟
وكيف يصلي عامة الناس؛ إذ إنهم بمجرد سماع الأذان، يهرعون إلى الصلاة، دون النظر إلى شروق الشمس وغروبها؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا بد من التنبيه أولا إلى أنه ما دام الأمر متعلقا بمواقيت الصلاة، والصيام، فالمعروف أن تقرير ذلك يتم من طرف لجان شرعية متخصصة، والأصل حمل ما يقررونه على الصحة والسلامة، فلا ينتقل عن ذلك الأصل إلا ببينة وبرهان. وعليه، فلا ينبغي إثارة البلبلة والشكوك بين الناس في هذا الموضوع، خاصة أنه يتعلق بأعظم أركان دينهم.
ومن المعلوم أن الصلاة لا تصح الا بعد دخول الوقت، بل لا تجوز قبل ذلك.
فقد قال الحطاب في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: دخول الوقت شرط في جواز إيقاع الصلاة كوجوبها، فلا يصح إيقاعها إلا بعد تحققه، بحيث لا يتردد فيه بعلم، أو ظن يتنزل منزلة العلم.. اهـ.
ولا يجوز كذلك الفطر قبل مغيب الشمس، كما أنه لا يجوز تناول المفطرات بعد تبين طلوع الفجر؛ لقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ {البقرة:187}.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم. متفق عليه.
ثم إنه يجوز للعامة تقليد المؤذن العدل، العارف بالوقت، ولا يلزمهم النظر في علامات الوقت.
قال ابن قدامة رحمه الله: وَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ مِنْ ثِقَةٍ عَالِمٍ بِالْوَقْتِ، فَلَهُ تَقْلِيدُهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، فَجَرَى مَجْرَى خَبَرِهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ ـ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَوْلَا أَنَّهُ يُقَلِّدُ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ مَا كَانَ مُؤْتَمَنًا. وَجَاءَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: خَصْلَتَانِ مُعَلَّقَتَانِ فِي أَعْنَاقِ الْمُؤَذِّنِينَ لِلْمُسْلِمِينَ صَلَاتُهُمْ، وَصِيَامُهُمْ ـ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّ الْأذَانَ مَشْرُوعٌ لِلْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ، لَمْ تَحْصُلْ الْحِكْمَةُ الَّتِي شُرِعَ الأذَانُ مِنْ أَجْلِهَا، وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَجْتَمِعُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَجَوَامِعِهِمْ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا سَمِعُوا الْأذَانَ قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ، وَبَنَوْا عَلَى أَذَانِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فِي الْوَقْتِ، وَلَا مُشَاهَدَةِ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فكان إجماعا. انتهى.
والله أعلم.