السؤال
لماذا يشرع الاستغفار بعد الوضوء: هل هو لترقيع أي خلل حصل في الوضوء على وجه الخصوص، أم هو استغفار من جميع الذنوب؟
لماذا يشرع الاستغفار بعد الوضوء: هل هو لترقيع أي خلل حصل في الوضوء على وجه الخصوص، أم هو استغفار من جميع الذنوب؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الاستغفارمن جملة الأذكار المأثورة بعد الوضوء.
جاء في كتاب الأذكار للإمام النووي: ويسن عقب فراغه من الوضوء، رفع بصره إلى السماء، وقول: أشهد إلا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وكذا بعد الغسل ـ قاله في الفائق ـ. انتهى.
والحكمة من الاستغفار بعد الوضوء، أشار إليها ابن قاسم الحنبلي في حاشيته على الروض المربع: ما منكم من أحد يتوضأ، فيسبغ الوضوء، ثم يقول أشهد إلخ، إلا وفتحت له أبواب الجنة الثمانية، وزاد الترمذي وغيره: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، والتوابون جمع تواب، صيغة مبالغة وهو كثير التوبة، والمتطهر الذي لا ذنب له، زاد بعضهم: واجعلني من عبادك الصالحين، واجعلني من الذين لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون. ويستحب أن يضم إليه ما روى ابن ماجه، والحاكم، وغيرهما: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. ولما كان الوضوء طهارة الظاهر، ناسب ذكر طهارة الباطن بالتوحيد والتوبة، وهما أعظم المطهرات، وإذا اجتمع له الطهوران، صلح للدخول على الله، والوقوف بين يديه، ومناجاته. انتهى.
وجاء في تفسير السعدي عند قول الله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة:199}.
قال: فالاستغفار للخلل الواقع من العبد، في أداء عبادته، وتقصيره فيها، وذكر الله، شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة، والمنة الجسيمة. وهكذا ينبغي للعبد، كلما فرغ من عبادة، أن يستغفر الله عن التقصير، ويشكره على التوفيق، لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة، ومنَّ بها على ربه، وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة، فهذا حقيق بالمقت، ورد الفعل، كما أن الأول، حقيق بالقبول، والتوفيق لأعمال أخر. اهـ.
وجاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية: الاستغفار يخرج العبد من الفعل المكروه، إلى الفعل المحبوب، من العمل الناقص، إلى العمل التام. ويرفع العبد من المقام الأدنى، إلى الأعلى منه، والأكمل؛ فإن العابد لله، والعارف بالله في كل يوم، بل في كل ساعة، بل في كل لحظة يزداد علما بالله. وبصيرة في دينه، وعبوديته، بحيث يجد ذلك في طعامه، وشرابه، ونومه، ويقظته، وقوله، وفعله. ويرى تقصيره في حضور قلبه في المقامات العالية، وإعطائها حقها، فهو يحتاج إلى الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار؛ بل هو مضطر إليه دائما في الأقوال والأحوال، في الغوائب والمشاهد؛ لما فيه من المصالح وجلب الخيرات، ودفع المضرات، وطلب الزيادة في القوة في الأعمال القلبية، والبدنية اليقينية الإيمانية... اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني