السؤال
هل مكر الله يمكن أن يحول مؤمنا طائعًا إلى الكفر، أو إلى الإلحاد وترك الدين؟ ومتى تكون هذه الحالة؟
هل مكر الله يمكن أن يحول مؤمنا طائعًا إلى الكفر، أو إلى الإلحاد وترك الدين؟ ومتى تكون هذه الحالة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا بيان وجه إضافة المكر لله تعالى، فراجع في ذلك الفتويين رقم: 65684، ورقم: 319516.
ومنها يعرف أن سوء الخاتمة، وسلب الإيمان ممن ظاهره الصلاح، إنما يكون بسبب آفة خفية في العمل، وسريرة سوء، ودخيلة شر في نفس صاحبه، فمثل هذا هو من يدركه مكر الله تعالى به، جزاء وفاقًا، ولا يظلم ربك أحدًا.
وأما سنة الله المطردة: فمن أطاعه، واستقام على أمره ظاهرًا وباطنًا، فهي أنه يوفقه، وييسره لليسرى، وراجع تفصيل ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 58553، 69361، 143281، 30753.
وقد ذكر ابن القيم في الجواب الكافي عقوبات الذنوب والمعاصي، فقال: ومنها: مكر الله بالماكر، ومخادعته للمخادع، واستهزاؤه بالمستهزئ، وإزاغته للقلب الزائغ عن الحق.
ومنها: نكس القلب حتى يرى الباطل حقًّا والحق باطلًا، والمعروف منكرًا والمنكر معروفًا، ويفسد ويرى أنه يصلح، ويصد عن سبيل الله وهو يرى أنه يدعو إليها، ويشتري الضلالة بالهدى، وهو يرى أنه على الهدى، ويتبع هواه وهو يزعم أنه مطيع لمولاه؟ وكل هذا من عقوبات الذنوب الجارية على القلب. اهـ.
وقال في هذا الكتاب أيضًا: وكذلك لم يقدُرْه حق قدره مَن قال: إنّه يجوز أن يعذّب أولياءه ومن لم يعصِه طرفةَ عين ويدخلهم دار الجحيم، وينعمَ أعداءه ومن لم يؤمن به طرفة عين ويدخلهم دار النعيم، وإنّ كلا الأمرين بالنسبة إليه سواء، وإنّما الخبر المحض جاء عنه بخلاف ذلك، فمنعناه للخبر، لا لمخالفة حكمته وعدله، وقد أنكر سبحانه في كتابه على من جوّز عليه ذلك غاية الإنكار، وجعل الحكم به من أسوأ الأحكام. اهـ.
وقال في زاد المعاد: أكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم عن ذلك إلا من عرف الله، وعرف أسماءه وصفاته، وعرف موجب حمده وحكمته، فمن قنط من رحمته، وأيس من روحه، فقد ظن به ظن السوء، ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم، ويسوي بينهم وبين أعدائه، فقد ظن به ظن السوء... ومن ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي المحسن فيها بإحسانه والمسيء بإساءته، ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه، ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين فقد ظن به ظن السوء. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني