السؤال
أنا فتاة أصلي وأصوم وأقرأ كتاب الله الشريف وأفعل الخير متى أتيحت لي الفرصة وأسامح وأصبر، ولكنني ارتكب بعض المعاصي، وسرعان ما ندمت عليها وأطلب عفو الله ومغفرته، ومنها أنني كنت أمارس العادة السرية ولم أعلم بأنها تسمى هكذا أصلا، وكنت أجهل أنها محرمة ومع مرور الأيام اكتشفت حقيقة هذه العادة السيئة القذرة، فحاولت أن أمنع نفسي من ممارستها عدة مرات، وكانت نفسي الأمارة بالسوء تهزمني في كل مرة وتدخلني في عالم من الحزن والخوف والقلق، وكنت أشاهد أفلاما إباحية.... وفي أحد الأيام قررت أن أضع حدا لما أفعله فأقسمت أنني لن أعود مرة أخرى لمثل هذه الأشياء، وقد نسيت ما حلفت به بالضبط، وما أتذكره هو أنني قلت: والله لن أعود إلى هذه الأشياء مرة أخرى وإن فعلت فسوف أضع يدي على النار وأحرقها وسوف أستحم 10 مرات متتاليات، ولا أعلم هل أقسمت بهذا على العادة السرية أم على الأفلام الإباحية، وبعد حوالي ثلاثة أشهر من إقلاعي عن هذه الأشياء... أأحسست برغبة في أن أمارس العادة السرية مرة أخرى، لكنني تذكرت ما حلفت به... فضغطت بفخذي على تلك المنطقة ـ منطقة التبول ـ دون استعمال يدي، فحدث لي شيء شبيه تماما بما يحدث أثناء ممارسة العادة السرية وشعرت أن جزءا من تلك الشهوة قد تحرر، فهل ما حلفت به نذر لله؟ وهل أحرق يدي وأستحم 10 مرات كما حلفت لله؟ أم أقوم بصيام 3 أيام دون فعل ما حلفت به....؟ أحس أنني إنسانة سيئة لا فائدة منها وغير ناجحة في حياتها.
وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن مشاهدة الأفلام الإباحية وممارسة العادة السرية من قبائح الذنوب التي تجلب لصاحبها نكد الحياة، وتعرضه للعقوبة في الآخرة، ولكن الذنب مهما عظم، فإن الله تعالى يقبل توبة العبد منه كرما منه ورحمة ولطفا، فعليك أن تبادري إلى التوبة الصادقة، وأن تكثري من الأعمال الصالحة، والتضرع إلى الله تعالى أن يرزقك الثبات والاستقامة على طاعته، فذلك السبيل الأقوم للتوفيق لما يحبه الله ويرضاه والعصمة والحفظ مما يسخطه، وعليك أن تحسني الظن بالله، وإياك والقنوط من رحمة الله تعالى وقبول التوبة، فالله سبحانه واسع المغفرة يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وقد وعد سبحانه من تاب وآمن وعمل صالحاً بقبول توبته والتجاوز عن سيئاته، بل وتبديل سيئاته إلى حسنات، قال الله تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:70}.
وقد جاء في الحديث القدسي الذي رواه الترمذي وغيره وحسنه الألباني: قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة.
فعليك أن تلزمي التوبة، وأن تكثري من الأعمال الصالحة، وأن لا تقنطي من رحمة الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء، والذي كتب على نفسه الرحمة، والذي سبقت رحمته غضبه، واعلمي أن القنوط واليأس من رحمة الله من الكبائر، وهو أشد وأعظم من الذنب نفسه، قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}. وقال تعالى: قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56}.
وبخصوص سؤالك فنقول: طالما أنك تسببت بإخراج المني، فهذا من الاستمناء، إذ لا تشترط فيه اليد، وانظري في ذلك الفتوى رقم: 309424.
وما حلفت به لا يعتبر نذرا، لأن النذر لا بد فيه من صيغة تفيد الالتزام، كقول: عليّ لله نذر كذا، أو لله علي أن أفعل كذا، ولا ينعقد بمجرد النية كسائر العقود، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 132158، وما أحيل عليه فيها.
وأما عن كفارة الحلف، فتكون بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، ولا تكون بالصيام إلا عند العجز عن الثلاثة السابقة، لقول الله تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}.
وأما حرق النفس بالنار، فلا يجوز، وإنما يجوز أن يعاقب المسلم نفسه بحملها على المجاهدة في القيام بالأعمال المشروعة، قال المقدسي رحمه الله: اعلم أن المؤمن إذا حاسب نفسه فرأى منها تقصيراً أو فعلت شيئاً من المعاصي، فلا ينبغي أن يهملها، فإنه يسهل عليه حينئذ مقارفة الذنوب ويعسر عليه فطامها، بل ينبغي أن يعاقبها عقوبة مباحة كما يعاقب أهله وولده، وكما روي عن عمر أنه خرج إلى حائط له ـ أي: بستان ـ ثم رجع وقد صلى الناس العصر، فقال: إنما خرجت إلى حائطي، ورجعت وقد صلى الناس العصر، حائطي صدقة على المساكين، وروي أن تميماً الداري ـ رضي الله عنه ـ نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى طلع الفجر، فقام الليل سنة لم ينم فيها عقوبة لنومه تلك الليلة، ومرَّ حسان بن سنان بغرفة فقال: متى بنيت هذه؟ ثم أقبل على نفسه فقال: تسألين عما لا يعنيك لأعاقبنك بصوم سنة، فصامها، أما العقوبات التي فيها إضرار بالبدن أو ارتكاب منهي عنه: فلا تجوز، كما روي أن رجلاً نظر إلى امرأة فقلع عينيه، وآخر عصى الله بيده فوضعها في النار حتى شُلت، فمثل هذا لا يجوز، فإنه ليس للإنسان أن يتصرف في نفسه بمثل هذا. انتهى بتصرف من مختصر منهاج القاصدين.
وكذلك لا نرى لك الاغتسال عشر مرات متتالية، عقوبة على فعل المعصية، لعدم مشروعية ذلك أولا، ولما فيه من مظنة الضرر، ولأن التعري من غير حاجة مكروه، كما بيناه في الفتوى رقم: 101615.
وانظري للأهمية الفتوى رقم: 93857.
والله أعلم.