السؤال
أشكر لكم هذا المجهود الرائع - جعله الله في ميزان حسناتكم-.
أنا عندي في جسدي شيء يقلقني جدًّا كلما نظرت إليه, وأحاول ألا أنظر إليه؛ حتى لا يصيبني القلق، والتفكير الشديد، والوساوس، وفي مرة نظرت إليه، وساءت حالتي جدًّا، وأقسمت بالله ما أنظر إليه أبدًا مرة ثانية -تلفظًا بالقول- ولكني غير متذكرة إن كنت قد أقسمت على الله أنني لو نظرت إليه أن لا يحقق لي ما أتمنى, لكني أتذكر جيدًا أني أقسمت أنني لا أنظر إليه مرة ثانية، وإن كنت أقسمت فقسمي هذا كان في نيتي دون التلفظ به؛ لأنني كنت في حالة سيئة، ولا أذكر جيدًا ماذا حدث بالضبط, وأمسِ قلت لنفسي: إني سوف أنظر إلى شيء آخر جانبه، ولكني استرقت نظرة إليه، لا أعرف بقصد أم بدون قصد، وهل هي وسوسة من الشيطان، وشعرت بالندم الشديد بعدها؛ لأني أتمنى من الله عز وجل أن يحقق لي ما أتمناه، ولا أعرف هل هذا القسم قد يمنع عني تحقيق هذا الشيء، وماذا أفعل لأكفر عما فعلت؟ وهل ما فعلته يمكن أن يجعل الله يمنع عني ما أتمناه وأطلبه؟ وماذا أفعل حتى لا يكون الله غاضبًا مني، وأن يحقق لي ما أتمنى؟ فأنا شديدة الندم الآن لمجرد هذه النظرة التي نظرتها إلى هذا الشيء. أرجو منكم أن توضحوا لي الأمر، واسألوا الله لي أن يحقق ما أتمناه، فهو خير ونفع لي ولأمتي، وليس به أي شر.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لنا ولك العافية، وتحقيق الأماني النافعة لك، وللأمة.
وننصحك بالإعراض عن هذه الوساوس، واعتبري أنك لم تقسمي على الله بعدم تحقيق أمنيتك؛ لأن حديث النفس باليمين لا عبرة به، ومثل ذلك اليمين المشكوك فيها.
فمن شك هل حلف أم لا، فالأصل أنه لم يحلف حتى يتيقن أنه حلف، جاء في الموسوعة الفقهية: الشك في أصل اليمين هل وقعت أو لا، كشكّه في وقوع الحلف، أو الحلف والحنث، فلا شيء على الشاكّ في هذه الصورة؛ لأن الأصل براءة الذمة، واليقين لا يزول بالشك. اهـ.
ثم إنه يشترط عند أكثر أهل العلم في اليمين المنعقدة الموجبة للكفارة: (التلفظ باليمين)، فلا يكفي كلام النفس عند الجمهور؛ خلافًا لبعض المالكية، حيث حكى القاضي عياض من المالكية عن بعض المتأخرين منهم الخلاف في ذلك، كما قال ابن حجر في فتح الباري.
وقال القرافي المالكي في الفروق: وقع الخلاف في انعقاد الطلاق بإنشاء كلام النفس وحده، أو لا بد من اللفظ، كذلك وقع الخلاف في اليمين. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: في ذكر الشرط الرابع من الشرائط التي ترجع إلى الحالف في اليمين المنعقد: التلفظ باليمين، فلا يكفي كلام النفس عند الجمهور، خلافًا لبعض المالكية. لا بدّ من إظهار الصوت بحيث يسمع نفسه إن كان صحيح السمع، ولم يكن هناك مانع من السماع، كلغط، وسد أذن. واشتراط الإسماع -ولو تقديرًا- هو رأي الجمهور، الذين يرون أن قراءة الفاتحة في الصلاة يشترط في صحتها ذلك. وقال المالكية، والكرخي من الحنفية: لا يشترط الإسماع، وإنما يشترط أن يأتي بالحروف مع تحريك اللسان، ولو لم يسمعها هو ولا من يضع أذنه بقرب فمه مع اعتدال السمع، وعدم الموانع. اهـ.
وأما الحلف على عدم النظر لموضع من جسدك، فإنه يقع الحنث، وتلزم الكفارة باستراق النظر إن تحقق النظر، وكنت متعمدة، قال العلامة ابن العثيمين في الشرح الممتع: الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله مختارًا ذاكرًا عالمًا، فإن كان مكرهًا، أو ناسيًا، أو جاهلًا فلا كفارة عليه. اهـ.
واعلمي أنه لا يجوز دعاء المسلم على نفسه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير. رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم. رواه أبو داود، وغيره، وصححه الشيخ الألباني.
ومن دعا على نفسه فيمكنه العلاج بالالتجاء إلى الله تعالى، وكثرة الدعاء أن يصرف عنه الشر, فإن الدعاء من أهم الأسباب التي يرد الله تعالى بها البلاء, كما في دعاء القنوت في السنن، وصحيح ابن حبان، وفيه: وقنا شر ما قضيت. وقد ثبت عند الترمذي، والحاكم عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر. وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
والله أعلم.