السؤال
أنا على قناعة تامة أن الله هو أحكم الحاكمين، وأنه سبحانه هو الوحيد الذي يعلم ما يصلح به البشر، لكن أريد ردا علميا على من يتاجر بقضية المرأة من العلمانيين، والمستشرقين؛ في قولهم: كيف تكون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، ومن الممكن أن يكون هذا الرجل بوابا، أو أميا لا يقرأ ولا يكتب، وأن تكون المرأة أستاذة في الجامعة، بل من الممكن أن تكون نالت جائزة نوبل؟
وهل هناك حالات تقدم فيها شهادة المرأة، على شهادة الرجل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فبداية نقرر حقيقة مهمة، وهي أن الأحكام الشرعية لم تفصل على حال معينة، أو أشخاص بعينهم، وإنما هي أحكام عامة للبشرية كلها، وفي كل العصور والبيئات، على تنوعها واختلافها، ولا يمكن أبدا أن تتعارض مع حقيقة علمية، أو مصلحة واقعية، وهي مع ذلك تجمع بين إقامة الدنيا وسعادة الآخرة، وهذا في الحقيقة أحد أوجه الإعجاز التشريعي للدين الإسلامي! ومن هذا أحكامه الخاصة بشهادة المرأة، التي راعى فيها: طبيعة المرأة وفطرتها، ومؤهلاتها ومسئوليتها، كما راعى أيضا: حفظ الحقوق وإثباتها، والاستيثاق في التعامل معها، فجمع بذلك بين النظر لمصلحة المرأة في خصوصها، وبين النظر لمصلحة المجتمع في عمومه.
والتفصيل في هذه المسألة يحتاج إلى معرفة الدور المنوط بالمرأة في المجتمع، كما يحتاج إلى معرفة الأبحاث العلمية المتعلقة بدارسة الفروق البدنية والنفسية والعقلية بين الذكر والأنثى، سواء من الناحية العضوية والحيوية (البيولوجية) أو من الناحية الوظيفية (الفسيولوجية). ثم يحتاج إلى معرفة أثر هذه الفروق على أداء الشهادة. وقد أشرنا إلى شيء من ذلك في الفتويين: 21357، 33323.
ومجال الفتوى -الذي نحن فيه- لا يتسع لتفصيل ذلك، ولهذا نحيل السائلة على رسالة الماجستير للباحثة أحلام محمد إغبارية، وهي بعنوان: (شهادة النساء، دراسة فقهية قانونية مقارنة) فقد تناولت في الفصل الثالث تفصيل الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة المؤثرة على الشهادة. كما تناولت في الفصل الذي يليه بعض الشبهات المزعومة حول شهادة المرأة. والبحث متوفر على الشبكة العنكبوتية. وقد توصلت الباحثة من خلال بحثها إلى بعض النتائج الإجمالية، نذكر منها:
ـ شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، ليست على إطلاقها، بل في الأمور التي يغلب عليها دراية الرجل وبعده عن العاطفة، كالمعاملات المدنية، والصفقات التجارية، وأحكام الأبدان.
ـ يلاحظ أن السبب الرئيس لجعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل في الاستيثاق، هو بُعدها عن المعاملات المالية، وعدم اختصاصها في هذا المجال.
ـ وصف الأنوثة بحد ذاتها، لا مدخل له في التقليل من قيمة الشهادة، ووصف الذكورة بحد ذاته لا مدخل له في دعم هذه القيمة، بينما الذي يراعى في الشهادة أمران اثنان:
أولهما: عدالة الشاهد وضبطه، وألا تكون بينه وبين المشهود عليه خصومة تبعث على اتهامه فيما يشهد عليه به، وألا تكون بينه وبين المشهود له قرابة تبعث على احتمال تحيزِه له في الشهادة.
ثانيهما: أن يكون بين الشاهد والواقعة التي يشهد بها صلة تجعله مؤهلاً للدراية بها، والشهادة فيها. إذًا فشهادة من تخشى عدالته، أو لم يثبت كامل وعيه، وضبطه لا تقبل رجلاً كان أو امرأة.
ـ تتمتع المرأة بذاكرة قوية في الأمور التي تخصها، وتضعف ذاكرتها في المعاملات المادية؛ لقلة ممارستها لها، مما يجعل عندها نقصا، وقلة خبرة في هذا المجال، ومع هذا فإن هذا النقص يقابله زيادة في العاطفة، وبالمقابل يكون في الرجل نقص في العاطفة.
ـ المرأة الحامل تصاب ذاكرتها بالضعف والاضطراب أثناء الحمل، وربما تعاني من ضعف الذاكرة لمدة عام كامل أحيانا بعد الولادة، وربما أكثر بسبب تناقص في عدد خلايا الدماغ، ولأسباب غير معروفة إلى الآن.
ـ أن الصفات التي تتصف بها غالب النساء، كشدة العاطفة، وشدة الانفعال، والغيرة الشديدة، والتحايل والخداع، قد يتصف بها بعض الرجال، وليس الأمر مقتصرا على النساء فحسب، ولكن الحكم للأعم الأغلب.
ـ الشهادة تكليف ومسؤولية، فعندما يخفف الله عن المرأة في الشهادة، فهذا إكرام لها، وليس العكس.
ـ شهادة المرأة وحدها تقبل فيما يخص النساء، بينما لا تقبل شهادة الرجل الواحد قط، ولا بأي حال من الأحوال. وبهذا تكون المرأة قد امتازت عن الرجل بهذه الخاصية.
ـ المرأة إذا نسيت جزءًا من الشهادة ذكرتها المرأة الأخرى، بينما الرجل إذا ترك شيًئا من شهادته ردت شهادته ولم تقبل. وهذا امتياز آخر للمرأة.
ـ أساس ادعاء أعداء الإسلام انتقاص الإسلام لحقوق المرأة بعدم مساواتها مع الرجل في نصاب الشهادة، ادعاء باطل، ذلك أن الشهادة لا تندرج ضمن حقوق الإنسان، ولكن هي من ضمن الأعباء والواجبات التي تلقى على عاتقه، كما هي التزام بأوامر الله، والتي يصعب على الإنسان في كثير من الأحيان أداؤها بالعدل بسبب قرابة، أو مصلحة، أو بسبب عداوة.
والله أعلم.