السؤال
أنا شاب عمري 18 سنة، حلفت يمينين، وقد حنثت فيهما. وقد قرأت أن كفارة اليمين تكون تحرير رقبة، وإذا لم يستطع فإطعام عشرة مساكين.
سؤالي هو: أنا أملك مقدارا من المال، وهذا المال يكفي فقط لإطعام عشرين مسكينا، أي إذا دفعته كفارة لن يبقى منه شيء، وأنا طالب جامعي، وقد أحتاج إلى هذه النقود في بداية الشتاء.
فهل أدفعها كفارة، مع العلم أن هذه النقود أعطيتها دينا لأخي، واتفقت معه أن يعيدها لي في بداية الشتاء، واتفقنا أن يعيدها لي بعد أسبوعين.
هل أنتظر حتى يعيدها وأدفع الكفارة، أم أصوم 6 أيام، مع العلم أني إذا دفعتها لن يبقى معي شيء؟
الرجاء الرد؛ لأن هذا الموضوع أصبح يدور في عقلي كثيرا، ولا أستطيع التركيز في دراستي بسببه.
وأصبح هذا الموضوع يشغل مكانا كبيرا في عقلي، وتأتيني وساوس غريبة، أن ربنا غير راض عني بسبب اليمين.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كفارة اليمين قد بينها الله جل وعلا في قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ {المائدة:89}، فقولك: (وقد قرأت أن كفارة اليمين تكون تحرير رقبة، وإذا لم يستطع فإطعام عشرة مساكين.) ليس بصحيح، بل الحانث مخير بين العتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يجد انتقل إلى صيام ثلاثة أيام.
وأما صفة من يسوغ له الانتقال إلى التكفير بالصيام: فهو من لم يجد فاضلا عن قوته وقوت عياله في يومه وليلته.
قال ابن قدامة: وجملة ذلك، أن كفارة اليمين تجمع تخييرا وترتيبا، فيتخير بين الخصال الثلاث، فإن لم يجدها انتقل إلى صيام ثلاثة أيام، ويعتبر أن لا يجد فاضلا عن قوته وقوت عياله، يومه وليلته، قدرا يكفر به. وهذا قول إسحاق. ونحوه قال أبو عبيد، وابن المنذر. ووجه ذلك، أن الله تعالى اشترط للصيام أن لا يجد، بقوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} [المائدة: 89]. ومن وجد ما يكفر به فاضلا عن قوته وقوت عياله، فهو واجد، فيلزمه التكفير بالمال لظاهر الآية، ولأنه حق لا يزيد بزيادة المال، فاعتبر فيه الفاضل عن قوته وقوت عياله، يومه وليلته، كصدقة الفطر. اهـ.
ويدخل في معنى القوت الحوائج الأصلية كالسكنى، ونحوها مما يحتاج إليه.
قال ابن قدامة: الكفارة إنما تجب فيما يفضل عن حاجته الأصلية، والسكنى من الحوائج الأصلية، وكذلك الدابة التي يحتاج إلى ركوبها، فهذه الثلاثة من الحوائج الأصلية، لا تمنع التكفير بالصيام. اهـ. باختصار. وانظر الفتوى رقم: 322432.
وقد اختلف العلماء فيمن له دين يرجو وفاءه، هل له التكفير بالصيام، أم لا؟ والجمهور على المنع.
قال ابن قدامة: إن كان له مال غائب، أو دين يرجو وفاءه، لم يكفر بالصيام. وهذا قول الشافعي. وقال أبو حنيفة: يجزئه الصيام؛ لأنه غير واجد، فأجزأه الصيام، عملا بقوله تعالى: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. وقياسا على المعسر. والدليل على أنه غير واجد أن المتمتع لو عدم الهدي في موضعه، انتقل إلى الصيام، ولو عدم الماء في موضعه، انتقل إلى التيمم، ولو عدم المظاهر المال في موضعه، انتقل إلى الصيام. والانتقال في هذه المواضع مشروط بعدم الوجدان. ولأنه غير متمكن من التكفير بالمال، أشبه هذه الأصول. ولنا: أنه حق مال يجب على وجه الطهرة، فلم تمنع الغيبة وجوبه كالزكاة. ولأنه غير مؤقت، ولا ضرر في تأخيره، فلم يسقط بغيبته كالزكاة. وفارق الهدي فإن له وقتا يفوت بالتأخير، والتيمم يفضي تأخيره إلى فوات الصلاة، وتأخير كفارة الظهار يفضي إلى ترك الوطء، وفيه ضرر، بخلاف مسألتنا. ولا نسلم عدم التمكن؛ ولهذا صح بيع الغائب مع أن التمكن من التسليم شرط. اهـ. من المغني.
فالخلاصة: أنه ما دام لك دين ترجو وفاءه، فليس لك التكفير بالصيام عند جمهور العلماء، بل تؤخر الكفارة إلى أن تستوفي المال، فتكفر به بالإطعام، أو الكسوة إن كان المال فاضلا عن حوائجك الأصلية.
وراجع للفائدة في تعدد الكفارة بتعدد الأيمان، الفتوى رقم: 79783.
والله أعلم.