السؤال
نعلم أن القلب هو عبارة عن مضخة للدم، فما هو القلب الذي يقسو ويلين والذي فيه التقوى؟ وأين مكانه؟.
نعلم أن القلب هو عبارة عن مضخة للدم، فما هو القلب الذي يقسو ويلين والذي فيه التقوى؟ وأين مكانه؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القلب الذي هو محل الحق والباطل، والتقوى والعصيان، والإيمان والكفران، واللين والقسوة وغير ذلك من المعاني، ليس هو المضغة المحسوسة نفسها، بل هو أمر معنوي ـ يعبر عنه كثير من العلماء بأنه لطيفة ربانية روحانية ـ له تعلق بالقلب الذي هو مضغة، وهذا التعلق مما لا يعلم كيفيته إلا الله تعالى.
قال الغزالي: لفظ القلب وهو يطلق لمعنيين:
أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر، وهو لحم مخصوص وفي باطنه تجويف وفي ذلك التجويف دم أسود هو منبع الروح ومعدنه، ولسنا نقصد الآن شرح شكله وكيفيته، إذ يتعلق به غرض الأطباء ولا يتعلق به الأغراض الدينية، وهذا القلب موجود للبهائم، بل هو موجود للميت، ونحن إذا أطلقنا لفظ القلب في هذا الكتاب لم نعن به ذلك، فإنه قطعة لحم لا قدر له، وهو من عالم الملك والشهادة، إذ تدركه البهائم بحاسة البصر فضلا عن الآدميين.
والمعنى الثاني: هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان، وهو المدرك العالم العارف من الإنسان وهو المخاطب والمعاقب والمعاتب والمطالب ولها علاقة مع القلب الجسماني، وقد تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه علاقته، فإن تعلقه به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات، أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة، أو تعلق المتمكن بالمكان، وشرح ذلك مما نتوقاه، لأن تحقيقه يستدعي إفشاء سر الروح، وذلك مما لم يتكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس لغيره أن يتكلم فيه. اهـ باختصار من إحياء علوم الدين.
وقال ابن تيمية: ما يعلمه الإنسان من حق وباطل، فإنه يقوم بقلبه ويحل بروحه المنفوخة فيه المتصلة بالقلب الذي هو المضغة الصنوبرية الشكل، وقد قيل: إنه يقوم بجميع الجسد، وليس لبعض ذلك مكان من الجسد يتميز به عن مكان آخر باتفاق الناس، وإنما الروح هي التي يعبر عن محلها الأول بالقلب تارة، وتسميها الفلاسفة النفس الناطقة، وهي الحاملة لجميع الاعتقادات فتنور قلوب المؤمنين وأرواحهم بالمعارف الإلهية، وتظلم قلوب الكافرين بالعقائد الفاسدة، كما ضرب الله مثل المؤمن والكافر في سورة النور .اهـ.
وقال ابن القيم: ويطلق القلب على معنيين: أحدهما: أمر حسي وهو العضو اللحمي الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر وفي باطنه تجويف وفي التجويف دم أسود وهو منبع الروح. والثاني: أمر معنوي وهو لطيفة ربانية رحمانية روحانية لها بهذا العضو تعلق واختصاص، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسانية. اهـ.
وفي كتاب مقاصد المكلفين للدكتور عمر الأشقر: كتاب الله ينسب العقل والفقه والإِيمان والزيغ ونحو ذلك إلى القلب، كما قال تعالى: أَفلمْ يسيِرُوا في الَأرْض، فتكُون لهُمْ قُلُوب يعْقلونَ بِهَا ـ وقال: وطُبع علَى قُلُوبهمْ فهُمْ لا يَفقَهُون ـ وقال: أولئك كتب في قُلُوبِهِمُ الإيمَان ـ وقال: فَلَمَّا زَاغُوا أزاغَ الله قُلُوبهُمْ ـ والقلب الذي عناه الله تعالى في هذه الآيات محله الصدر، وقد نصّ الله تعالى على ذلك: وَلكِن تَعْمى الْقُلُوبُ الَّتي فِي الصدُورِ ـ وقد فهم القرطبي هذه النصوص على ظاهرها، فالقلب الذي عناه الله هو: بضعة صغيرة على هيئة الصنوبرة خلقها الله تعالى في الآدمي وجعلها محلا للعلم، فيحصي به العبد ما لا يسع في الأسفار، يكتبه تعالى بالخط الإلهي، ويضبطه بالحفظ الرّباني، حتى يحصيه، ولا ينسى منه شيئًا، ويذكر القرطبي أيضا: أن القلب في الأصل مصدر قلبت الشيء أقلبه قلبا إذا رددته على بداءته، وقلبت الإِناء رددته على وجهه، ثم نقل هذا اللفظ فسمى به هذا العضو الذي هو أشرف الحيوان لسرعة الخواطر إليه، ولتردّدها عليه كما قيل: ما سُمِّي الْقَلْبُ قَلْبًا إلاّ مِن تقلبه... فَاحْذرْ على الْقَلبِ منْ قلْبٍ وَتَحْويلِ، إلاّ أنَّ كثيرا من العلماء يرى أنَّ القلب المعني في الآيات القرآنية هو: لطيفة ربانية، لها بهذا القلب الجسماني الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر تعلّق، وتلك اللطيفة هي حقيقة الِإنسان، ويسميها الحكيم النفس الناطقة، والروح الباطنة، وعلى هذا؛ فالقلب هو الروح أو النفس، ويشهد لهذا أن البحوث التي أجريت على القلوب من الباحثين في العصر الحديث دلت على أن القلب الجسماني ليس إلاّ مضغة من اللحم، ونحن نصدق ربّا في أن القلب محلّ العقل والفقه، إلاّ أن المراد به تلك اللطيفة المتعلقة بالقلب. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 320353.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني