السؤال
قرأت في كتاب تيسير العزيز الحميد: أن من أنواع الشرك، أن يعمل الإنسان ابتغاء الدنيا فقط، ومن الأمثلة التي كانت أن يجاهد من أجل المغنم، وهذا واضح، لكني قرأت أنه إن هاجر من أجل دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فقد كفر أيضا.
فهل يعني هذا أن من هاجر للتعلم، أو طلباً للرزق فقد كفر؟ أم إن معناها من كان ظاهر عمله أن يهاجر لله، ولكنه يبطن في قلبه أن هجرته للدنيا ومتاعها؟
وما حكم شخص كان يجهل أن هذا من الشرك بدون أن ينكره، أو يفعله أصلا، فقط كان يجهله؛ لأنه لم يسمع به مطلقاً، أو خطر بباله من قبل، هل يجب عليه إذا تعلمه أن ينطق الشهادتين؟
وإذا مات شخص وهو جاهل لأحد أنواع الشرك بدون أن يفعله أو ينكره.
هل يكون كافراً؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا: أن المراد بالشرك في الصور المذكورة، هو الشرك الأصغر، لا الشرك الأكبر المخرج من الملة، وانظر الفتوى رقم: 96471.
قال في فتح المجيد: أراد المصنف -رحمه الله- بهذه الترجمة، وما بعدها أن العمل لأجل الدنيا، شرك ينافي كمال التوحيد الواجب. انتهى.
فمن أراد بعمله الدنيا، وكان هذا العمل مما يبتغى به وجه الله، فقد ارتكب كبيرة من الكبائر يصدق عليها أنها من الشرك الأصغر، لكنه لم يخرج بذلك من الملة، ولا يلزمه النطق بالشهادتين، وإنما يلزمه أن يتوب إلى الله تعالى.
وأما التعلم، فإن كان مراده بالهجرة له تحصيل منافع دنيوية محضة، وكان هذا العلم مما يبتغى به وجه الله، فهو على خطر، وهو داخل فيمن ذكر، وأما إن كان علما دنيويا، أو كان الشخص قد أراد منفعة الدين والدنيا، فلا حرج عليه في ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فإن قيل: هل يدخل فيه من يتعلمون في الكليات أو غيرها، يريدون شهادة، أو مرتبة بتعلمهم؟
فالجواب: أنهم يدخلون في ذلك؛ إذا لم يريدوا غرضا شرعيا، فنقول لهم:
أولا: لا تقصدوا بذلك المرتبة الدنيوية، بل اتخذوا هذه الشهادات وسيلة للعمل في الحقول النافعة للخلق; لأن الأعمال في الوقت الحاضر مبنية على الشهادات، والناس لا يستطيعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة، وبذلك تكون النية سليمة.
ثانيا: أن من أراد العلم لذاته قد لا يجده إلا في الكليات; فيدخل الكلية أو نحوها لهذا الغرض، وأما بالنسبة للمرتبة; فإنها لا تهمه.
ثالثا: أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين- حسنى الدنيا، وحسنى الآخرة-; فلا شيء عليه؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} ، [الطلاق: من الآية2-3]، فرغبه في التقوى بذكر المخرج من كل ضيق، والرزق من حيث لا يحتسب. انتهى.
وكذا يقال في طلب الرزق، فإن طلب الشخص بالعمل الصالح الرزق، مع طلبه به مرضات الله تعالى، فلا حرج عليه، وأما إن كان طلبه مجرد الرزق وتحصيل المال بعمل لا يراد به إلا وجه الله، فهو داخل في النهي.
وإذا علمت هذا، تبين أن سؤالك مبني على أن هذا الفعل شرك أكبر، وهذا خطأ، ثم إن من جهل شيئا مما يخرج من الملة، وكان مثله يجهل ذلك، فهو معذور غير مؤاخذ عند الله تعالى؛ لقوله عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء:15}.
وقد قررنا هذه المسألة في فتاوى كثيرة جدا.
والله أعلم.