السؤال
قال تعالى: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته، وظهوره، وحكمه على الأديان كلها، وأنا على يقين بأن المستقبل للإسلام لا محالة، شاء من شاء، وأبى من أبى، وستكون خلافة راشدة على منهاج النبوة، وأن الإسلام سيدخل كل بيت بعز عزيز، أو بذل ذليل، فكيف سيكون ذلك؟ وهل ينتظر الله منا أن نرجع إلى دينه لنلتزم به، ونطبق أحكامه، ونجعله دستورنا ليحقق لنا انتشار الإسلام -وكما ترون فأغلب الناس في بُعد عن الدين، وغربة عن الإسلام، وركون إلى الدنيا-؟ أم إن الله قد قدر موعدًا لهذا الانتشار، وحينها سوف تتبع الناس مشيئة الله، وتهتدي وترجع إلى الدين ويتحقق الانتشار؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أما بعد:
فالله تعالى قد قدر الأسباب ومسبباتها، وعلم ما كان، وما سيكون، وما هو كائن، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، وقد قضى سبحانه فيما قضى أن التمكين لهذا الدين، والغلبة لهذه الأمة، والظهور لهذه الملة، ولو كره الكافرون والمشركون، ولكنه سبحانه ربط هذا التمكين والظهور بأسباب، هي: التمسك بالدين، والعض عليه بالنواجذ، والاعتصام بحبل الله تعالى، كما قال عمر أمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ وهو يعبر مخاضة الطين معلقًا نعله بشماله: إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما نبتغي العز في غيره أذلنا الله عز وجل.
وقال الله جل اسمه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ {النور:55}.
فالموعودون بالاستخلاف والتمكين هم من طبقوا تعاليم الدين، وتمسكوا بعرى الملة، ولم يضيعوا أوامر الله تعالى، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته إذا أخلدوا للدنيا، وآثروا الشهوات، تسلط عليهم عدوهم، وأنه لا خلاص لهم من هذه الحال إلا بمراجعة دينهم، فقال صلى الله عليه وسلم: إذا تبايعتُم بالعِينَةِ، وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزَّرْع، وتركتُم الجهادَ، سَلَّط اللهُ عليكم ذُلاًّ لا ينزِعُه حتى تَرجِعُوا إلى دينكم. رواه أبو داود، وغيره.
والنصوص في هذا المعنى كثيرة، وإذا كان السبب والمسبب من خلق الله تعالى، فإن عودة الأمة إلى صحيح الدين كائنة ولا بد؛ ليكون لها ما وعد الله به من النصرة والتمكين، فعلى المسلمين أن يأخذوا بأسباب العز والتمكين، وأن يعلموا أنها حاصلة بطاعة الله تعالى، وتحكيم شرعه، وأن يسارعوا إلى إزالة ما علق بهم من أدران المعاصي، وأوضار الجاهلية؛ حتى يمن الله عليهم بما وعدهم به من النصرة، والظفر على عدوه وعدوهم.
وبه تعلم أن الله تعالى سيهيئ أسباب التمكين، وسيمن بذلك على المسلمين متى ما علم منهم الصدق في الإقبال عليه، واللجأ إليه، وليس لأحد علم بما سبق به القلم، ولكن علينا السعي، وبذل الوسع في الأخذ بالأسباب الجالبة لخير الدنيا والآخرة -نسأل الله تعالى أن يرفع راية الإسلام عاجلًا غير آجل-.
والله أعلم.