السؤال
بارك الله فيكم، وجزاكم عنا خير الجزاء، ونفعكم، ونفع بكم.
أما بعد:
عندما يكون الإنسان يقول ذكرا، أو حتى يقرأ القرآن. فما هي الأسباب التي لا يشرع من أجلها قطع القراءة، بل يعتبر سوء أدب، وقلة احترام؟ وما هي الأسباب التي يشرع من أجلها القطع؟ ولو نادتني أمي وأنا أقرأ. هل أقطع سواء كان الأمر مهما، أو غير مهم؟
وأيضا عند قول ذكر الأذكار التي يشرع تكرارها (مثل حسبي الله، لا إله هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم: 7 مرات صباحا ومساء، ومثل سبحان الله وبحمده 100 مرة ...) عند قولها، هل إذا قطع القراءة مطلقا، ولأي سبب كان، يعيد من البداية ليحصل على الثواب المذكور في الحديث؛ لقول هذا الذكر، أو بإمكانه أن يكمل، ويتم العدد دون إعادة؟ وهل يختلف حكم هذا بين:
1- أن يكون قطعه، وقال كلاما آخر من جنس الذكر أصلا (كأن يقول: سبحان الله وبحمده 100 مرة، لكن قبل أن يتم المئة، قال: أستغفر الله مثلا. فهل يعيد من جديد إن أراد الجزاء الموعود، والثواب المذكور أم بإمكانه أن يكمل؟) وبين:
2- أن يكون قال كلاما أجنبيا ليس من جنس الذكر (كأن كلم أحدا كلاما عاديا ليس لرد السلام، أو لإنكار منكر... هل يعيد؟) وبين:
3- أن يكون قطع الذكر، وتكلم كلاما مثل رد السلام، أو صار يكلم شخصا، ولكن من أجل إنكار منكر. فهل عندها لا يعيد؟
وكذلك أذكار النوم، في الحالات الثلاث السابقة: (في حال قال شيئا من جنس الذكر مثل أستغفر الله، أو اللهم اشف مرضى المسلمين، أو اللهم انصر الإسلام والمسلمين، أو اللهم ارزق كل الفقراء والمساكين، والمحتاجين المسلمين ... وفي حال رد السلام، أو تكلم لإنكار منكر، أو ناداه أحد وتكلم كلاما عاديا كان مضطرا لقوله، مثل أن شخصا كلمه وفي حال قال له أحد: "تصبح على خير " ورد عليه: “وأنت بخير “)
هل يعيد الأذكار أم لا؟
وأذكار النوم خصوصا، هل لا بد أن تكون هي آخر ما يتكلم به الإنسان، أم فقط الدعاء: (اللهم أسلمت نفسي إليك...) ينبغي أن يكون آخر ما يتكلم به قبل النوم؛ لأنه ورد في الحديث: (اجعلهن آخر ما تقول) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فهل هذا يمكن تعميمه، وهو يشمل أذكار النوم كلها، يعني كلها ينبغي أن تكون آخر كلام الإنسان، فلو تكلم يعيدها كلها، أو يعيد فقط :( اللهم أسلمت نفسي إليك...)؟
وهل هناك ضابط محدد مثل لو تكلم فأطال، فينبغي أن يعيد أذكار النوم، وكذلك الأذكار بخصوص أول جزء من السؤال، وإذا كانت كلمة أو كلمتين (سواء من جنس الذكر أم لا) لا يعيد؟
ومن قرأ سورة الملك بعد العشاء. هل يعود ويقرأها قبل النوم إن نام بعد العشاء بوقت طويل نسبيا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا نستطيع على وجه التعيين إحصاء الأسباب التي يشرع، أو لا يشرع من أجلها قطع التلاوة والذكر، ولكن ما يمكننا في مقامنا هذا أن نذكر طرفا منها، وجملة ذلك أن: الأصل عند الاشتغال بالتلاوة والذكر، أن يتفرغ المرء بقلبه وبدنه لذلك، ولا يقطعه إلا لحاجة، أو عارض، أو طروء ما يفوت ويضيق وقته.
وقد أجمل النووي ذلك، فعقد في كتاب (الأذكار) فصلا في أحوال تعرض للذاكر يستحب له قطع الذكر بسببها، ثم يعود إليه بعد زوالها، فذكر: منها: إذا سلم عليه رد السلام، ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا عطس عنده عاطس، شمته، ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا سمع الخطيب، وكذا إذا سمع المؤذن أجابه في كلمات الأذان والإقامة، ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا رأى منكرا أزاله، أو معروفا أرشد إليه، أو مسترشدا أجابه، ثم عاد إلى الذكر، كذا إذا غلبه النعاس أو نحوه. وما أشبه هذا كله. اهـ.
وذكر غلبة النعاس هنا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم من الليل، فاستعجم القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول، فليضطجع. رواه مسلم. "استعجم": أي: استغلق ولم ينطلق به لسانه؛ لغلبة النعاس.
وقال النووي في موضع آخر من الكتاب: إذا كان يقرأ القرآن، أو يسبح، أو يقرأ حديثا، أو علما آخر، أو غير ذلك، فإنه يقطع جميع هذا ويجيب المؤذن، ثم يعود إلى ما كان فيه؛ لأن الإجابة تفوت، وما هو فيه لا يفوت غالبا. اهـ.
وقال في كتاب (التبيان في آداب حملة القرآن): إذا كان يقرأ ماشيا، فمر على قوم، يستحب أن يقطع القراءة ويسلم عليهم، ثم يرجع إلى القراءة، ولو أعاد التعوذ كان حسنا ... قال أصحابنا -يعني الشافعية-: إذا سلم الداخل يوم الجمعة في حال الخطبة، وقلنا: الإنصات سنة، وجب له رد السلام على أصح الوجهين، فإذا قالوا هذا في حال الخطبة مع الاختلاف في وجوب الإنصات، وتحريم الكلام، ففي حال القراءة التي لا يحرم الكلام فيها بالإجماع، أولى. اهـ.
وقال في موضع آخر منه: ولو سمع المؤذن، قطع القراءة وأجابه بمتابعته في ألفاظ الأذان والاقامة، ثم يعود إلى قراءته، وهذا متفق عليه عند أصحابنا. وأما إذا طلبت منه حاجة في حال القراءة، وأمكنه جواب السائل بالإشارة المفهمة، وعلم أنه لا ينكسر قلبه، ولا يحصل عليه شيء من الأذى للأنس الذي بينهما ونحوه، فالأولى أن يجيبه بالإشارة، ولا يقطع القراءة، فإن قطعها جاز. اهـ.
وقال السيوطي في (الإتقان في علوم القرآن): يكره قطع القراءة لمكالمة أحد، قال الحليمي: لأن كلام الله لا ينبغي أن يؤثر عليه كلام غيره. وأيده البيهقي بما في الصحيح: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن، لم يتكلم حتى يفرغ منه. اهـ.
وقال ابن مفلح في (الآداب الشرعية): من سمع نهيق حمار، أو نباح كلب، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم نهاق الحمير، فتعوذوا بالله من الشيطان؛ فإنها رأت شيطانا، وإذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله؛ فإنها رأت ملكا» رواه البخاري ومسلم ... ويستحب قطع القراءة لذلك، كما ذكروا أنه يقطعها للأذان، وظاهره ولو تكرر ذلك. اهـ.
وروى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب (فضائل القرآن) عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ، لم يتكلم حتى يفرغ مما يريد أن يقرأه. قال: فدخل يوما فقال: أمسك علي سورة البقرة، فأمسكها عليه. فلما أتى على مكان منها قال: «أتدري فيم أنزلت؟» قلت: لا. قال: «في كذا وكذا» ثم مضى في قراءته. قال أبو عبيد: إنما رخص ابن عمر في هذا؛ لأن الذي تكلم به من تأويل القرآن وسببه، كالذي ذكرناه عن ابن مسعود أن أصحابه كانوا ينشرون المصحف فيقرؤون، ويفسر لهم. ولو كان الكلام من أحاديث الناس وأخبارهم كان عندي مكروها أن تقطع القراءة به. اهـ.
وأما قطع القراءة إجابةً لنداء الأم، فإنه يجب على أية حال، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 39559، 290341، 27309.
ونعتذر للأخت السائلة عن إجابة بقية أسئلتها؛ لأن سياسة العمل في موقعنا عند تعدد الأسئلة في الفتوى الواحدة، أن يجاب عن الأول فقط، ويطلب من السائل إعادة بقيتها في فتاوى جديدة، كل على حدته.
والله أعلم.