الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل عدم جواز تعليق صور لذوات الأرواح على الجدران، وتجب إزالتها، قال في مغني المحتاج: ومن المنكر أن في موضع الدعوة صورة حيوان، آدميًّا كان أو غيره، كبيرًا أو صغيرًا، على صورة حيوان معهود، كفرس، أم لا، كآدمي بجناحين، مرفوعة، كأن كانت على سقف، أو جدار، أو وسادة منصوبة، كما في المحرر، والروضة وأصلها، أو سِتر بكسر المهملة- بخطه- معلق لزينة، أو منفعة، أو على ثوب ملبوس؛ لأنه صلى الله عليه وسلم امتنع من الدخول على عائشة -رضي الله تعالى عنها- من أجل النمرقة التي عليها التصاوير، فقالت: أتوب إلى الله ورسوله مما أذنبت، فقال: ما بال هذه النمرقة؟ فقالت: اشتريتها لك لتقعد عليها، وتتوسدها، فقال صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون، فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن البيت الذي فيه هذه الصور لا تدخله الملائكة ـ متفق عليه. وقال: أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون ـ ولأنها شبيهة بالأصنام. انتهى.
وكذلك يجب إزالة التماثيل من الشقة، قال العلامة ابن حجر الهيتمي ـ رحمه الله ـ في كتابه المسمى بالزواجر عن اقتراف الكبائر: وأجمعوا على وجوب تغيير ما له ظل ـ أي: من صور ذوات الأرواح ـ قال القاضي: إلا ما ورد في لعب البنات الصغار من الرخصة. انتهى.
وروى البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت قرام فيه صور، فتلون وجهه، ثم تناول الستر فهتكه، وقالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور.
قال النووي: قولها: هتكه ـ هو بمعنى قطعه، وأتلف الصورة التي فيه.. فيستدل به لتغيير المنكر باليد، وهتك الصور المحرمة، والغضب عند رؤية المنكر. اهـ.
ثم إن إتلاف هذه الصور المحرمة، والتماثيل بقصد تغيير المنكر لا إثم فيه؛ لأنها لا ضمان فيها، كما تقدم في الفتوى رقم: 34875.
ولكن الغالب في مثل حالتك هذه أنك لو أتلفتها لترتب على ذلك مفسدة أعظم من مفسدة تركها، فيسقط حينئذ التغيير باليد، جاء في البهجة في شرح التحفة: لأن تغيير المنكر إن أدى إلى منكر أعظم منه سقط الأمر عنه. انتهى.
فإذا أمكنك أن تطلب من صاحب الشقة أن يخرج عنك هذه المنكرات، فهذا هو الأولى، والواجب في حقك حينئذ، وإلا فمن باب تخفيف الشر لا تتركها معلقة، أو منصوبة، بل أخفها في صندوق، أو نحو ذلك.
والأفضل من ذلك أن لا تؤجر شقة فيها هذه التماثيل، فإن أهل العلم اختلفوا في جواز اللبث في بيت فيه صورة حيوان ـ أي: كالتماثيل التي في هذه الشقة ـ وإن كان الأقرب جواز اللبث فيه، قال المرداوي في تصحيح الفروع: هَلْ يُحَرَّمُ لُبْثُهُ فِي مَنْزِلٍ فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُقْنِعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، حَيْثُ قَالُوا: إذَا رَأَى ذَلِكَ خَرَجَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُحَرَّمُ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَنَصَرُوهُ، وَهُوَ الصحيح. انتهى.
وأما سؤالك عن دخول الملائكة بيتًا فيه هذه التماثيل، فلا تدخله، ما دامت هذه التماثيل فيه، وراجع تفصيل ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 29711، 120199، 180559.
ولمعرفة حكم استعمال أوان عليها صور لذوات أرواح راجع الفتوى رقم: 72857.
ولمعرفة حكم الشرب في كؤوس الخمر راجع الفتوى رقم: 76274.
والله أعلم.