السؤال
بعت محل تجارة كان مورد رزقي وعائلتي بمبلغ25 ألف دينار، أردت أن أستثمرها في مشروع مع ابني، وسلمته المبلغ، ففتح مشروعا لبيع المواد الحديدية حيث كانت له فيه خبرة جيدة، واشترى سيارة لنقل البضائع، والسيارة والمحل باسمه، لأنه المتصرف في كل شيء، وفي بادئ الأمر كنت راض عن ذلك، والاتفاق بيننا أننا شركاء ويسلمني كل شهر مبلغا معينا حدده هو، ولدي 6 أولاد و 6 بنات، بمن فيهم هو، فقلت إذا مت فكيف سأضمن حق أبنائي، وكل شيء مسجل باسمه، فصارحته بالأمر فقال لي إنه دخل معي في المشروع ب16 ألف دينار، وهذا المبلغ لم يصارحني به في البدء، وهو المتصرف في كل شيء، فإذ كان ادعاؤه غير صحيح، فهل أعتبر أنا المالك باعتبار أنني مولت المشروع وهو عامل عندي، مع العلم أنه المتصرف في كل شيء وهو صاحب خبرة في هذا المجال وأنا لا خبرة لي به؟ وإذا كان ادعاؤه صحيحا، فكيف تقسم الأرباح بيننا؟ وما هي كيفية إعادة صياغة العقد بيننا ليضمن حقه وأضمن حقي؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أنه لم يحصل اتفاق على عقد معين بشروط واضحة، ينبني عليها تكييف شرعي لهذه المعاملة، ولا ندري عن المبلغ الشهري الذي يعطيه الابن لأبيه كيف يتم تحديده؟ وهل هو ثابت أم يتعلق بنسبة معينة متفق عليها من الأرباح؟ وأما مسألة صدق ادعاء الولد أو عدم صدقه، فهذه من مسائل القضاء لا الفتوى، والأصل أنه يصدق بيمينه، وعلى فرض عدم صدقه، فإنه يكون مضاربا في مال أبيه، والمضاربة لا بد فيها من الاتفاق على نسبة مشاعة من الربح يتقاسمها المضارب ورب المال، وعلى فرض صدقه فإنه يكون مضاربا وشريكا في آن واحد، فيكون له مع سهمه من الربح كمضارب، مع حصة رأس ماله من الربح، وإذا حصلت خسارة فلا يضمنها على مذهب المالكية، خلافا للجمهور، قال ابن جزي الكلبي في القوانين الفقهية: إذا خلط العامل ماله بمال القراض من غير إذن رب المال فهو غير متعد، خلافا لهما ـ يعني الشافعي وأبا حنيفة. اهـ.
وجاء في المدونة الكبرى: قلت: أرأيت إن اشتريت بمال القراض وبمال من عندي من غير أن يكون اشترط على رب المال أن أخلطه بمالي, أيجوز هذا؟ قال: لا بأس بذلك, كذلك قال لي مالك. اهـ.
وهذا الخلاف إنما يظهر أثره بوضوح في حال وقوع الخسارة، وأما في حال الربح فلكل سهم من رأس المال نصيبه من الربح، جاء في موسوعة فقه المعاملات: للمضارب أن يخلط أموال المضاربة بأمواله الخاصة, فيكون شريكا في المال ويجوز تصرفه بعد ذلك على المضاربة، ويجوز ذلك بمقتضى عقد المضاربة عند المالكية, ويشترط فيه تفويض رب المال عند الحنفية والحنابلة, والإذن الصريح عند الشافعية، وإذا خلط المضارب مال المضاربة بماله: يقسم الربح الحاصل على مقدار رأس المال بأن يأخذ المضارب ربح رأس ماله, ويقسم ربح مال المضاربة بينه وبين رب المال على الوجه الذي شرطاه. اهـ.
وعلى أية حال، فإذا كان الواقع أن كلا من الوالد والولد سيكون له سهم من رأس مال المشروع، وسينفرد الولد وحده بالعمل وإدارة المشروع، فهذه المعاملة تجمع بين الشركة والمضاربة، فلكل سهم من رأس المال نصيبه من الربح، وللعامل ـ الابن ـ نسبة تخصه من الربح نظير عمله، إلا أن يتبرع ببعض ذلك، والمهم أن يحصل اتفاق على نسبة معينة لتقسيم الأرباح يتراضى عليها الطرفان، قال الخرقي في مختصره: وشركة الأبدان جائزة، وإن اشترك بدنان بمال أحدهما، أو بدنان بمال غيرهما، أو بدن ومال، أو مالان وبدن صاحب أحدهما، أو بدنان بمالهما، تساوى المال أو اختلف، فكل ذلك جائز. اهـ.
والصورة الواقعة بالنسبة للسائل هي في قول الخرقي: مالان وبدن صاحب أحدهما ـ باعتبار أن الوالد سيدفع ـ 25 ألفا ـ والابن سيدفع 16 ألفا، وهذه الصورة شرحها ابن قدامة في المغني فقال: القسم الرابع، أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما، فهذا يجمع شركة ومضاربة، وهو صحيح، فلو كان بين رجلين ثلاثة آلاف درهم، لأحدهما ألف، وللآخر ألفان، فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرف فيها على أن يكون الربح بينهما نصفين، صح، ويكون لصاحب الألف ثلث الربح بحق ماله، والباقي وهو ثلثا الربح بينهما، لصاحب الألفين ثلاثة أرباعه، وللعامل ربعه، وذلك لأنه جعل له نصف الربح، فجعلناه ستة أسهم، منها ثلاثة للعامل، حصة ماله سهمان، وسهم يستحقه بعمله في مال شريكه، وحصة مال شريكه أربعة أسهم، للعامل سهم وهو الربع، فإن قيل: فكيف تجوز المضاربة ورأس المال مشاع؟ قلنا: إنما تمنع الإشاعة الجواز إذا كانت مع غير العامل، لأنها تمنعه من التصرف، بخلاف ما إذا كانت مع العامل، فإنها لا تمنعه من التصرف، فلا تمنع من صحة المضاربة، فإن شرط للعامل ثلث الربح فقط، فمال صاحبه بضاعة في يده، وليست بمضاربة، لأن المضاربة إنما تحصل إذا كان الربح بينهما، فأما إذا قال: ربح مالك لك، وربح مالي لي، فقبل الآخر، كان إبضاعا لا غير، وبهذا كله قال الشافعي، وقال مالك: لا يجوز أن يضم إلى القراض شركة، كما لا يجوز أن يضم إليه عقد إجارة، ولنا: أنهما لم يجعلا أحد العقدين شرطا للآخر، فلم نمنع من جمعهما، كما لو كان المال متميزا. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 170445.
والله أعلم.