السؤال
هل من شروط التوبة التي لا تصح التوبة إلا بها، أن تفارق قومك، أو مكان المعصية، أو الأصدقاء؛ لأنه ورد في الصحيحين أن رجلا قتل مائة نفس، وترك قومه؟
هل من شروط التوبة التي لا تصح التوبة إلا بها، أن تفارق قومك، أو مكان المعصية، أو الأصدقاء؛ لأنه ورد في الصحيحين أن رجلا قتل مائة نفس، وترك قومه؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هذا من شروط التوبة، فإن شروط التوبة هي الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم معاودته، والندم على فعله، وإن كان الذنب متعلقا بحق آدمي، فشرط صحة التوبة رد الحق إليه.
وأما مفارقة مكان المعصية، فليس شرطا في صحة التوبة، لكنه سبب يعين على كمالها، وإن تعذرت التوبة بدون الخروج من تلك الأرض ومفارقة ذلك المكان، بأن كان الشخص يعلم أنه سيقارف المعصية ولا بد ما دام مقيما في هذا المكان، وجب عليه الخروج منه؛ لأن ترك المعصية واجب، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب.
وأما إذا أمكنته التوبة دون مفارقة ذلك المكان، فلا يجب عليه ذلك، وأما حديث قاتل المائة نفس، فيحمل على أنه كانت تتعذر عليه التوبة وهو مقيم في تلك الأرض.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والأرض التي كان فيها كأنها -والله أعلم- دار كفر، فأمره هذا العالم أن يهاجر بدينه إلي هذه القرية التي يعبد فيها الله -سبحانه وتعالى-، فخرج تائبا نادماً، مهاجراً بدينه إلى الأرض التي فيها القوم الذين يعبدون الله عز وجل. انتهى.
أو يحمل أمر العالم له بذلك على الاستحباب لتكمل توبته.
قال الصنعاني: قوله: "فإنها أرض سوء" فيه أن بعض البقاع من الأرض يكون سكونها إعانة على المعاصي، وعن البعد عن الطاعات، وبعضها على خلاف ذلك، وأنه ينبغي لمن اعتاد العصيان في أرض، أن يفارقها، ويخرج منها إلى أرض فيها قوم يعبدون الله، وظاهره أنه قد تاب لما أفتاه العالم أنها تقبل توبته، ولا يحال بينه وبينها، وأشار عليه بما يعينه على الطاعة، وهو إتيانه الأرض التي يعبد الله فيها، ومثل هذا أنه صلى الله عليه وسلم لما نام في الوادي عن صلاة الفجر هو وأصحابه، أمرهم بالخروج منه وصلى في غيره، وأخبرهم أنه حضرهم فيه الشيطان. انتهى.
والحاصل أن مفارقة الأرض ليس من شروط التوبة، إلا إن تعين طريقا إلى التوبة فيجب، ومن هنا نص الفقهاء على وجوب الهجرة من البلد الذي لا يقدر فيه على إقامة دينه.
وأما مفارقة أصدقاء السوء، فإن لم يكن يرجو بمصاحبتهم صلاحهم، وأن يؤثر فيه، وينفعهم بما عنده من الخير، فالأولى له أن يفارقهم، وأن يصحب أهل الخير والصلاح؛ فإن المرء على دين خليله، كما جاء في الحديث.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني