السؤال
أنا من سوريا أريد أن أسألكم كيف نحسن الظن بالله في ظل الأحداث التي تجري على ألسنة بعض الناس وكأن لسان حالهم يقول: لقد أحسنا الظن بالله أنه سيحمينا ولن يضرنا، ولكننا لم نستفد من حسن الظن، فقد ذبحنا وقتلنا وضربت علينا المواد الكيميائية فأين حسن ظننا بالله أنه سيحمينا ويدفع عنا الشر؟ وكيف يكون حسن الظن بالله في هذه الأوضاع التي تجري في سوريا؟.
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس معنى حسن الظن بالله أن تجري المقادير على وفق رغبة العبد، فيحصل ما يريد، بالقدْر الذي يريد، في الوقت الذي يريد!! وإنما معنى حسن الظن بالله تعالى أن نعتقد فيما قضاه الله وقدره، أو حكم به وشرعه، أنه موافق للحكمة والرشاد، وأنه اللائق بأسمائه الحسنى، وعلو صفاته، وجميل أفعاله، تبارك وتعالى، ومن ذلك أن حسن الظن بالله تعالى حين حصل من بعض المسلمين ما حصل في غزوة أحد يقتضي أن يديل عليهم عدوهم، ليعلموا أنه ليس بين الله تعالى وبين أحد من خلقه نسب، وأن أسباب النصر والعزة متى تخلف بعضها، اقتربت الهزيمة بقدر ذلك من أي أحد، كائنا من كان، قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {آل عمران: 165}.
قال السعدي في تفسيره: قلتم أنى هذا ـ أي: من أين أصابنا ما أصابنا وهزمنا؟ قل هو من عند أنفسكم ـ حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، فعودوا على أنفسكم باللوم، واحذروا من الأسباب المردية: إن الله على كل شيء قدير ـ فإياكم وسوء الظن بالله، فإنه قادر على نصركم، ولكن له أتم الحكمة في ابتلائكم ومصيبتكم: ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض. اهـ.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى: فإن الإنسان إذا كان لا يحيط علما بأحوال نفسه وعاقبة أمره، فضلا عن أحوال الأمم ومصائر الشعوب، فضلا عن دقائق الخليقة وخفايا الكون الفسيح، فضلا عن العلم بأحوال الدار الآخرة وحقيقتها وعاقبة الناس فيها... فلا غرابة في قصور رأيه ونظره، وخطأ تقديره وحكمه، كما قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ {إبراهيم: 34}.
وقال: إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا {الأحزاب: 72}.
ومن طباع الظلم وخصال الجهل التي يتصف بها الإنسان ما ذكره الله تعالى، حين قال: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ {هود: 9، 10}.
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن الإنسان وما فيه من الصفات الذميمة، إلا من رحم الله من عباده المؤمنين، فإنه إذا أصابته شدة بعد نعمة حصل له يأس وقنوط من الخير بالنسبة إلى المستقبل، وكفر وجحود لماضي الحال، كأنه لم ير خيرا، ولم يرج بعد ذلك فرجا، وهكذا إن أصابته نعمة بعد نقمة: ليقولن ذهب السيئات عني ـ أي: يقول: ما بقي ينالني بعد هذا ضيم ولا سوء: إنه لفرح فخور ـ أي: فرح بما في يده، بطر فخور على غيره. اهـ.
ومن آثار جهل الإنسان وظلمه أيضا: عجلته وعدم نظره في العواقب، فيحب ما يضره لما فيه من راحة أو لذة عاجلة، وإن كان يضره في العاقبة، ويكره ما يشق عليه في عاجل أمره وإن كان أنفع شيء له في العاقبة، كما قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة: 216}.
وفيما سبق إشارة إلى أصلين عظيمين يدور عليهما حسن الظن بالله تعالى، وهما: اعتقاد كمال الله تعالى وتنزيهه عن النقائص، والثاني: العلم بقصور الإنسان ونقصه وتقصيره، وهذا المقام يحتاج إلى تفصيل وبيان يضيق عنه مجال الفتوى الذي نحن فيه، ولكن ليتفكر الحائر في حوادث التاريخ وقصص الأنبياء وأتباعهم مع أعدائهم، وكيف جرت سنة الله فيهم، فإنها لا تتخلف ولن تجد لها تحويلا ولا تبديلا، وكل ما جرى لأهل الإيمان على أيدي أعدائهم مما يكرهون، فإما كان بمعاصيهم وما كسبت أيديهم، وإما كان امتحانا وتمحيصا ليميز الله الخبيث من الطيب، وقد سبق لنا بيان أن وعود الله الكريمة للمؤمنين لا بد أن تحصل وتتحقق، ولكن بطريقة تتفق مع الحكمة من الخلق، التي هي الابتلاء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 117638.
والله أعلم.