السؤال
أنا بنت أدرس في كلية الهندسة وعمري ٢٠ سنة، وحلمي هو أن أفتح مدرسة للأطفال تعلمهم قواعد الدين الإسلامي الصحيح وأسس التعامل مع الناس وكيفية توثيق العلاقة مع الله تعالى وكيف يحلمون ويسعون لتحقيق أحلامهم وأن يثقوا بربهم ويفهموا العالم من حولهم جيداً... لأنني أرى أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تنهض بها الأمة الإسلامية مجدداً، وأن نعد جيلاً قادراً على مواجهة كل هذه الأفكار التي تحاول أن تطيح بالفكر الإسلامي وبالأخلاق الإسلامية جيلاً يشبه المسلمين الأولين، حيث فقدت الأمل في أجيالنا هذه ممن هم في مثل سني أو أكبر، وهذا يحتاج مني فهم الدين الإسلامي بشكل صحيح وقراءة الكثير من الكتب وتدبرها وفهمها في مجالات شتى، وبدأت بذلك بالفعل حيث بدأت في هذه العطلة أقرأ وأتعلم الدين والقرآن ولدي خطة حتى أغير نفسي للأحسن ـ إن شاء الله ـ لكنني أحياناً أرى أنه لا فائدة مما أعمل عليه وأخاف أن لا يتحقق ما أريد أو أن أتقدم في السن وأكتشف أن كل ما فعلته لا فائدة منه، وأنني سأقرأ كل هذه الكتب دون أن أتمكن من فتح المدرسة التي أحلم بها، وأحياناً أقول لماذا لا أجلس فقط وأفعل مثل الناس من حولي..... انصحوني، فماذا أفعل؟ وهل أبقى كما أنا؟ أم أمضي في تحقيق حلمي...؟.
وشكراً..
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالبعد عن الوسوسة، وأن تحسني بالظن بالله تعالى، وتواصلي التعلم والسعي في إصلاح المجتمع وتنشئة الأجيال على التمسك بالدين والأخلاق، ولا تيأسي من تحقيق حلمك، بل استعيني بالله تعالى دائما واسأليه تيسير كل ما تريدينه، وكوني ذات همة عالية وتذكري أنه تعالى قوي قدير كريم، فادعيه موقنة بإجابته، فإن الله تعالى وعد الداعي بالإجابة في قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}.
وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ {البقرة:186}.
وقال صلى الله عليه وسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل... الحديث. رواه مسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه. رواه الترمذي وغيره، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وهنالك أمور تعين على حصول هذا اليقين في القلب، ومن ذلك:
الأمر الأول: استحضار أسماء الله عز وجل وصفاته التي تناسب هذا المقام، كالجواد والكريم والرحمن والرحيم، ونحوها.
الأمر الثاني: استحضار سعة الله وكرمه وعظيم عطائه ومننه.. بدراسة قصص الأنبياء والمرسلين، والمؤمنين الصالحين في دعائهم لربهم، واستجابته لدعائهم.
الأمر الثالث: كون الإنسان على حالة من إتيان المعروف واجتناب المنكر، ورعاية شروط الدعاء كحضور القلب، وترصد الأزمنة الشريفة، والأمكنة الفاضلة، واغتنام الأحوال المناسبة، كالسجود والثلث الأخير من الليل ونحوها.
قال الطيبي في شرح مشكاة المصابيح: المعنى: ليكن الداعي ربه على يقين بأنه تعالى يجيبه، لأن ردّ الدعاء إما لعجز في إجابته، أو لعدم كرم في المدعو، أو لعدم علم المدعو بدعاء الداعي، وهذه الأشياء منفية عن الله تعالى، وأنه جل جلاله عالم كريم، قادر، لا مانع له من الإجابة، فإذا كان الأمر كذلك، فليكن الداعي موقنًا بالإجابة، وأقول: قيد الأمر بالدعاء باليقين، والمراد النهي عن التعرض لما هو مناف للإيقان من الغفلة واللهو، بصدهما من إحضار القلب، والجد في الطلب بالعزم في المسألة، فإذا حصلا حصل اليقين. انتهى.
وفي قوت المغتذي على جامع الترمذي للمؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي: ادْعُوا الله وَأَنْتُمْ مُوْقِنُونَ بِالإجَابِة ـ قال التوربشتي: فيه وجهان:
أحدهما أن يقال: كونوا أوان الدعاء على حالة تستحقون فيها الإجابة، وذلك بإتيان المعروف، واجتناب المنكر، وغير ذلك من مراعاة أركان الدعاء، وآدابه، حتى تكون الإجابة على قلبه أغلب من الرد.
والثاني: ادعُوهُ معتقدين لوقوع الإجابة، لأنَّ الداعي إذا لم يكن متحققًا في الرجاء لم يكن رجاؤه صادقًا، وإذا لم يكن رجاؤه صادقًا لم يكُن الدُعاء خالصًا، والداعي مخلصًا، فإنَّ الرجاء هو الباعث على الطلب، ولا يتحقق الفرع إلاَّ بتحقق الأصل.
وقال المناوي في التيسير شرح الجامع الصغير عند الحديث المذكور: ادعوا الله ـ أَي اسألوه من فَضله وَأَنْتُم موقنون متحققون جازمون بالإجابة حَال الدُّعَاء بِأَن تَكُونُوا على حَال تستحقون فِيهَا الْإِجَابَة بخلوص النِّيَّة وَحُضُور الْجنان وَفعل الطَّاعَات بالأركان وقوّة الرَّجَاء فِي الرَّحْمَن، وَقيل معنى موقنون بالإجابة، أَي مَعكُمْ نور الْيَقِين حَتَّى ينجاب لكم الْحجاب وينفلق وتنفذ الدعْوَة إِلَى رَبهَا، وَاعْلَمُوا أنّ الله لَا يستجيب دُعَاء من قلب غافل لاه، أَي لَا يعبأ بسؤال سَائل مشغوف الْقلب بِمَا أهمه من دُنْيَاهُ، قَالَ الإِمَام الرَّازِيّ: أجْمَعُوا على أنّ الدُّعَاء مَعَ غَفلَة الْقلب لَا أثر لَهُ. انتهى.
والله أعلم.