السؤال
أحببت أن أسأل عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخص خصال الشهيد، ومنها: أنه لا يشعر بالألم، ومنها: أنه يرى مقعده من الجنة، ولكن توجد قصة وهي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه- قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل ممن يدّعي الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالًا شديدًا، فأصابته جراحة.. إلى نهاية القصة، فلماذا شعر بالآلام؟ وكذلك توجد قصة الرجل الذي قطع أصابعه ومات منتحرًا، ورآه رجل في المنام أنه دخل الجنة.. إلى نهاية القصة. ولماذا لم ير عمر -رضي الله عنه- منزله في الجنة حين استشهد، أم إنها لمن يستشهد مجاهدًا فقط؟ وشكرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن للشهيد فضائل كثيرة، منها: ما صح عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للشهيد عند الله سبع خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويشفع في سبعين إنسانًا من أهل بيته. رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يجد الشهيد من مس القتل، إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة. قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
قال المناوي: الشهيد لا يجد ألم القتل، إلا كما يجد أحدكم مس القرصة. بمعنى أنه تعالى يهون عليه الموت، ويكفيه سكراته وكربه. انتهى.
وأما القصة التي روى أبو هريرة، فصاحبها كافر، وقد قتل نفسه؛ ففي صحيح البخاري: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل ممن يدّعي الإسلام: «هذا من أهل النار»، فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالًا شديدًا، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الذي قلت له: إنه من أهل النار، فإنه قد قاتل اليوم قتالًا شديدًا وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلى النار»، قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب، فبينما هم على ذلك، إذ قيل: إنه لم يمت، ولكنَّ به جراحًا شديدًا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله»، ثم أمر بلالًا، فنادى بالناس: «إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر».
قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين: هذه القصة جرت يوم أحد، وهذا الرجل اسمه: قزمان، وهو معدود في جملة المنافقين، وكان قد تخلف يوم أحد، فعيّره النساء، وقلن له: قد خرج الرجال، ما أنت إلا امرأة، فخرج لما أحفظنه، فصار في الصف الأول، وكان أول من رمى بهم، وجعل يرسل نبلًا كالرماح، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه، وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار، يا للأوس، قاتلوا على الأحساب، وجعل يدخل وسط المشركين حتى يقال: قد قتل، ثم يخرج ويقول: أنا الغلام الظفري، حتى قتل سبعة، وأصابته جراحة، فمر به قتادة بن النعمان، فقال: هنيئا لك الشهادة. فقال: إني -والله- ما قاتلت على دين، ما قاتلت إلا على الحفاظ، ألا تسير قريش إليها حتى تطأ سعفتنا، ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر". اهـ.
وأما عمر -رضي الله عنه- فهو معدود في الشهداء؛ لما رواه البخاري عن قتادة، أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حدثهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدًا وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال: اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان. اهـ.
والشهيدان المقصودان في هذا الحديث هما: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان.
وأما عن رؤيته لمنزله في الجنة حين استشهد، فليس هناك ما يمنع من حصوله، وعلم ذلك عند الله تعالى.
وأما القصة التي أشرت إليها في شأن من قطع أصابعه، فلعلك تقصد ما رواه مالك في الموطأ، وأحمد، ومسلم في صحيحه، عن عبد الله أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال: حصن كان لدوس في الجاهلية، فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض فجزع، فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطيًا يديه! فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. فقال: ما لي أراك مغطيًا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم وليديه فاغفر...
وهذا الرجل ليس شهيدًا، بل هو قاتل النفس، ولكن الله غفر له وأدخله الجنة.
قال الإمام النووي: أما أحكام الحديث: ففيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة أن من قتل نفسه، أو ارتكب معصية غيرها، ومات من غير توبة، فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة. وهذا الحديث شرح للأحاديث التي قبله، الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من أصحاب الكبائر في النار. اهـ.
والله أعلم.