الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حديث سحر النبي سالم من الاعتراض

السؤال

مجرد ذكر السحر في القرآن لا يعني إثباته فهذا القول يحتاج إلى تحرير، أحاديث سحر رسول الله مدارها على هشام بن عروة وفيه مقال، والمتن به اضطراب شديد، فضلا عن أنه من أحاديث الآحاد التي لا يثبت بها أمر على هذه الدرجة من الخطورة . ما رأيكم جزاكم الله خيرا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالحديث الوارد في سحر النبي صلى الله عليه وسلم على يد لبيد بن الأعصم، مروي في الصحيحين، وقد تلقتهما الأمة بالقبول، وهشام بن عروة ثقة، لكنه ربما دلس، وعاب عليه البعض شيئًا مما رواه بالعراق عن أبيه، لكن صاحبي الصحيحين البخاري ومسلم هما من أعلم الناس بهذا الفن، وإخراجهما الحديث عنه يدل على أنه من الأحاديث السالمة من الاعتراض. قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري، ص631: هشام بن عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، من صغار التابعين، مجمع على تثبته، إلا أنه في كبره تغير حفظه، فتغير حديث من سمع منه في قدمته الثالثة إلى العراق. قال يعقوب بن شيبة: هشام ثبت ثقة لم ينكر عليه شيء، إلا بعد ما صار إلى العراق فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده. والذي نراه أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمع منه، فكان تساهله أنه أرسل عن أبيه ما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه. قلت: هذا هو التدليس، وأما قول ابن خراش: كان مالك لا يرضاه، فقد حكي عن مالك فيه شيء أشد من هذا، وهو محمول على ما قال يعقوب، وقد احتج بهشام جميع الأئمة. انتهى كلام ابن حجر. وقال الحافظ أيضًا (ص548 في مقدمة الفتح): وينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راوٍ كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه، وعدم غفلته، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما، هذا إذا خرج له في الأصول. اهـ وقال الحافظ في شرح الحديث: قال المازري: أنكر المبتدعة هذا الحديث وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها.. وهذا كله مردود؛ لأن الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات شاهدات بتصديقه، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل. اهـ وانظر الفتوى رقم: 24556، ففيها نقل مطول في ذلك. والحاصل أن الأئمة تلقوا هذا الحديث بالقبول، وقالوا بمضمونه، ومن هؤلاء القرطبي والمازري والقاضي عياض والنووي وابن حجر وغيرهم، وأنه لا يعرف إنكار ذلك إلا عن أهل البدع. وأما حديث الآحاد فإنه معمول به عند أهل السنة في باب الأحكام والعقائد، سواء أفاد العلم أو الظن، على أن منه ما يفيد العلم. قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية: خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول عملاً به وتصديقًا له يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة، وهو أحد قسمي المتواتر، ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع. اهـ والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني